قد تبدو الفكرة التي أطرحها اليوم غريبة في محاولة التعامل مع العنصر البشري بمثل هذه الطريقة التجارية، لكن هذا ما يحدث فعلاً في كرة القدم. فلِمَ لا يكون هناك أمرٌ مشابه مع العقول المتعلمة؟ سأطرح مثالاً مُعاشاً في بيئتنا.. وتحديداً لنأخذ مثلاً الإخوة أبناء الجنسية السودانية.. يُوجد بالمملكة أكثر من عشرة آلاف عضو هيئة تدريس سوداني يعملون بالجامعات الحكومية، والرقم تقديري هنا.. وأكثر من ذلك الرقم يعملون في القطاع الصحي وغيره من القطاعات المهنية التي تتطلب كفاءات ذات مؤهلات عالية من التعليم والخبرة. السؤال الذي أطرحه هنا: ماذا استفادت الجامعات والجهات السودانية التي أعدتهم؟ أو ماذا استفاد السودان - جامعاتهم السودانية منهم، وأقصد الاستفادة المباشرة والمنظمة بعقود وليس غير المباشرة المتمثّلة في تحويلاتهم الشخصية؟ ومثال أكثر وضوحاً.. لنفترض أنني قررت ترك جامعتي التي أعدّتني أو صرفت على تعليمي العالي وتطويري والانتقال لبلد آخر.. ألا يحق لجامعتي الحصول على تعويض أو مقابل لما بذلته من إعداد لي؟.. ماذا عن مئات الألوف تُعلمهم بلدانهم الأم، ثم يهاجرون للعمل في الغرب؟.. كيف تقطف تلك الدول ثمرة ما قدمته دولٌ أخرى لأبنائها؟ نحن في السعودية، لا يُعتبر الأمر ظاهرة، لكن ما هي ردة فعلنا لو بقي المبتعثون في بلاد الابتعاث أو هاجروا أو عملوا في بلدان أخرى، ونحن الذين صرفنا على تعليمهم محلياً وخارجياً؟.. أليس من حقنا المطالبة بتعويض في هذا الشأن؟ ربما هي أسئلة خيالية، ولا أعتقد بأنها ستلقى اهتماماً كبيراً في الوقت الراهن، لأن الدول التي يُهاجر أبناؤها أو يعملون في الخارج هي من دول العالم الثالث، وهي دول في موقع ضعف للمطالبة بأنظمة عالمية في هذا الشأن، أو أنها تعتبر مجرد خروج تلك الطاقات مكسباً لها بحكم كثرة السكان لديها. أعود لمثال البداية.. لماذا يحدث ذلك في الرياضة، فيُعوَّض النادي الذي يعد اللاعب ويدربه في حال انتقال اللاعب، ولا يحدث ذلك في مجال إعداد الكوادر البشرية العليا؟.. لا أقارن المتعلم بالموهوب، فالموهبة الرياضية والفنية ثمنها غالٍ ولا تُقارن الموهبة بالشهادة حتى ولو كانت أعلى الشهادات، لكن أطرح مقارناتي، كنوع من التقريب للفكرة والمبدأ، لا أكثر. البعض سيقول هذا (تنظير)، ونحن أكثر المستفيدين من الظاهرة هذه فلا تفتح علينا باباً لتأتي جامعات أجنبية وتطالب جامعاتنا بتعويض مقابل كوادرها التي تعمل لدينا.. لا يُوجد لدينا كفاءات بالحجم الكبير تعمل في الخارج أو تهاجر للخارج بعد أن نكون أسهمنا في إعدادها فلِمَ القلق؟ هنا أختم بأنني أشير إلى ظاهرة عالمية، وأتساءل هل تستطيع كندا أو أمريكا أو بريطانيا الاستغناء عن العقول الهندية والآسيوية وغيرها في جامعاتها ومراكزها البحثية ومؤسساتها الصحية والتقنية؟ لماذا الهند، على سبيل المثال، تبقى بلداً متخلفة، وأبناؤها يسهمون في بناء دول أخرى؟ malkhazim@hotmail.com لمتابعة الكاتب على تويتر @alkhazimm