ما زالت جملتا (الصلاحيات المخولة) و(المصلحة العامة) تضربان بأطنابهما على القرارات الإدارية الحكومية، بصورة تجعل من القائد الإداري شخصية غير قابلة للنقاش فيما يتخذه من قرارات، وتذكِّرانك بالـ(فرامانات) العثمانية التقليدية. إذا رأيت قراراً موجَّها للموظفين تحديداً يبدأ بـ(الصلاحيات المخولة) أو (المصلحة العامة) فاعرف أنه قرار يشوبه الكثير من (المحسوبيات)؛ لسبب بسيط، أنه لم يعتمد على (مادة قانونية) دقيقة. وكذلك تعاميم غير عادلة (تعيد كل قرار إداري للمسؤول)؛ لذلك تسبقه هاتان الجملتان؛ حتى يوحي لك بأن القرار لا رجعة فيه، وأنه قرار قوي، وأنه قرار صحيح. لكنك عندما تنظر في قوانين (الخدمة المدنية) في شأن نقل الموظفين، أو التجديد لهم، أو إغلاق الإدارات أو الشركات، أو تسريح الموظفين.. تجد الكثير منها (مخفياً) عن أنظار الموظفين؛ حتى لا يتعزز موقفهم تجاه مثل هذه القرارات (المجحفة)، وسط غياب ثقافة حقوق الموظف لدى كثير من العاملين في القطاع الحكومي. ما زال الموظف يتسلم قراراته الإدارية (بتسليم) تام، متوقعاً أنها صحيحة. فمن حقه أن (يطعن) في القرارات الموجهة له، ويسأل عن المعايير الإدارية التي من أجلها صدر القرار، وعن البنود القانونية التي استند إليها القرار.. وهذا حق مشروع له، لا يمنعه عنه إلا (قائد إداري) مكابر، ممن يتوقعون أن الإدارات الحكومية (مؤسسة خاصة بهم). ويكفي (الأضرار) الإدارية والنفسية التي تلحق بالموظف من أي قرار يعنى بالتجديد أو التطوير أو حل الإدارة أو النقل أو الدمج.. فإنها (مدخل) للاعتراض القانوني، بغض النظر عن وجهة نظر المسؤول التي - عادة - لا تراعي الجوانب القانونية بقدر ما تراعي اعتبارات شخصية، تتعلق بالعلاقة المضطربة بين الموظف والمسؤول. قوانين الخدمة المدنية الدقيقة بهذا الشأن مشكلتها أنها لم تصل للموظفين، وكثير منهم غير ملمّ بها. ولو أنهم وعوها كما هي لتغيرت كثير من القرارات الإدارية المجحفة في حق الموظفين، ولأصبح موقف الموظف أكثر قوة وصلابة وثقة، ولما احتاج إلى (محامين) يعيدون له حقه، ويعرّفونه بحقوقه الإدارية.