في ساحات الوغي والحروب، وبعد انقشاع النقع وافتراق الفريقين المشتجرين، تصبح الغنائم والأسلاب من نصيب المنتصر، بتراتبية مدروسة ومحددة فالمحارب الراجل يقل عن الفارس وقائد الجيش يفوقهما معا، ومن ثم يتوازع القوم الغنائم، وتظل النساء والأطفال والعبيد على هامش المشهد لايصلهم إلا فتات ماظل من مائدة القسمة. تراتبية هذا التقسيم، المجحف والبدائي يبدو أنها مابرحت تتجذر وتتغلغل عميقا في عروق ثقافتنا، ومابرحت النساء لايصلها إلا الفتات والبقايا و(القلطة الثانية) وقوانين تقسيم الغنائم عقب المعارك هو الذي يتحكم في حقوق النساء المدنية والاقتصادية، لاسيما في ظل غياب تشريعات واضحة بهذا الخصوص، وفي ظل غياب حقوقها كمواطنة وشخصيتها الاعتبارية المستقلة على المستوى التشريعي والاقتصادي. وعلى امتداد مسيرتنا التنموية ظلت كعكات المنح والامتيازات والوظائف ، وقروض الصندوق العقاري وبنك التسليف، والبنك الزراعي والفرص والتسهيلات مغيبة عن المواطنات، حتى استشري في اقتصادنا حالة متطرفة وغير صحية من الإعالة حيث تشير دراسة أعدها مركز السيدة خديجة بنت خويلد بالغرفة التجارية بجدة، أن 15 في المائة فقط من النساء السعوديات ضمن فئات العمر 18 سنة وما فوق يعملن في سوق العمل وتبدو هذه النسبة ضعيفة نوعاً ما عند مقارنتها بنسبة الذكور، هذا إذا عرفنا أن 85% من المتقدمات لإعانة البطالة (حافز) هن من النساء. آخر الكعكات التي التهمها الذكور وبقيت بعيدا عن أيدي النساء هي كعكة الإسكان.. ونعرف أن الإسكان هو ستر وسقف وعفة وتمكين للنساء لعدة أسباب فبالإضافة إلى الأرقام التي ذكرتها أعلاه، نجد أن المرأة تحجب عن مصادر العيش الشريف، عبر شروط الولاية، وصعوبة المواصلات.. وقائمة أسباب عديدة يعرفها الجميع. لكننا هنا في ما يتعلق بالسكن نجد أن وزارة الإسكان تدرج إلى قائمة مشاريعها المعطلة وغير المنجزة فشلا جديدا عندما تحرم المطلّقات والأرامل وحدات سكنية إلا بوجود صك إعالة لأسرهن بحسب تصريح وزير الإسكان. وهذا التصريح يثير عددا من الأسئلة الموجعة: هل كل الأرامل والمطلقات يمتلكن صك إعالة؟ فقد ينفق الأب عليهم دريهمات معدودة، بينما هي تظل حاضنة في بيت أهل أو قريب أو بيت مستأجر أو غير لائق. هل طورت المؤسسة العدلية لدينا إجراءاتها التنفيذية، بحيث تحصل كل معيلة على صك إعالة بيسر وسهولة وبزيارة واحدة للمحكمة؟ فنحن جميعنا نعلم بالإجراءات المطولة الصعبة في هذا المجال (فكم من معيلة طردت من ساحات القضاء وطلب منها أن تجلب ولي أمرها للكلام عنها وباسمها) إضافة إلى جهل وعدم وعي الكثير من النساء البسيطات بحقوقهن التي تقدمها الدولة لهن وتتفنن وزارة الإسكان في حجبها عنهن، وإلى أن تحل تلك الأمور تكون الطيور طارت بأرزاق كعكة الإسكان. هل كل الأرامل والمطلقات لديهن أطفال في سن الإعالة؟ ماذا عن اليتيمات المطلقات؟ ماذا عن المسنات بلا أبناء أو اللواتي تجاوز أبناؤهن سن الإعالة؟ ماذا عن الأب المهدِّد بحجب حقوق الحضانة إذا طالبت الأم بصك إعالة؟ وماذا عن التي تعيل أمها وأباها المسنين. ألسن جميعهن وسواهن كُثر بمواطنات ذوات حق في الإسكان؟ تندرج وزارة الإسكان إلى قائمة المضيقين على المواطنات ومغيبي حقوقهن، في عجز واضح وسافر عن تنفيذ السياسات العليا المتعلقة بكرامة المواطن واستقراره ورفاهه.