الساحة العربية سريعة التغير والتقلب فهي أشبه بالمياه الفائرة، إذ يمكن لسطحها أن يكون عمقا لها في لحظات والعكس كذلك. ولو عدنا إلى تثبيت الصورة الى فترة ما يسمى بالربيع العربي سنجد أن تلك الفترة كانت تمثل السطح، إذ أن مخطط الشرق الأوسط قام على إحداث ثورات متعاقبة ومتتالية لتفتيت الدول العربية إلا أن تأخر الثورة السورية وفشل الإخوان في تنفيذ مخطط الانقضاض على دول المنطقة من أجل إعلان الخلافة كان لا بد من وجود سيناريو مساند وهو وجود طائفتين تناديان بالخلافة لاستبدال أيهما يفشل بالآخر، إذ أن هذه المناداة تحقق تفتيت كل دولة على حدة، وكان التنظيم الجاهز للسيناريو البديل هي القاعدة (داعش ما هو إلا قسم من أقسام القاعدة) ومع ظهور علامات الفشل للإخوان حاولت الولايات المتحدة الأمريكية بكل الوسائل أن يواصل الإخوان الاستيلاء على الدول العربية، فهي الجماعة الأكثر ضمانا (كونهم براغماتيين)، لكن ظهر لها أن فشل الإخوان في مصر (مركز التجمع وقوته) أبقى مصر سدا منيعا من مواصلة المخطط، خاصة مع وقوف المملكة داعمة لمصر ومبدية تحركا دبلوماسيا نشطا. خلال هذا التوقف ظهرت (داعش) من منطقتين كانتا جاهزتين لأن تظهر بهما القاعدة منادية بالخلافة، لكنه كان ظهورا مرتبكا من غير زعامات، فقد كانت ولادته خديجا ولم تحدد هويته من البدء: هل هو مساند لإسقاط النظام السوري أو ميزان من أجل أن يعدل الكفة للوجود السني المضطهد من المالكي في العراق ولأنه تنظيم مغلق فكريا ويجاهر بالعداء لأمريكا (كنوع من التبرؤ من التبعية) وقام باستقطاب مقاتلين من دول أوروبية تحول هذا السيناريو البديل إلى خطر يهدد أمريكا وأوروبا بنقل الحرب إلى أراضيها وذلك من خلال أبنائها المنتمين لداعش. فمعطيات المعلن من محاربة أمريكا لداعش تظهر أن المعالجة قاصرة وغير كفيلة بأن تقضي على جماعة تنهج حرب الشوارع، فهي ليس لها جيش نظامي، هي مجموعة من الأفراد تتجمع وتتناثر في أماكن عدة ومنذ الوهلة الأولى للمواجهة عمدت أمريكا إلى ضرب الجماعة بطائرات من غير طيار رافضة أن يكون لها أي وجود عسكري على الأرض، فهل يكون إعلانها عن إطالة مدة مواجهة داعش هي مهلة تعطيها لنفسها لكي ترتب الأوضاع على الأرض قبل أن توجد سيناريو جديدا لتمرير ملف الشرق الأوسط الجديد؟ إن إطالة أمد المواجهة مع داعش هو استنساخ مكرر لإطالة أمد محاربة القاعدة (الأم لداعش) في باكستان وأفغانستان وهي المواجهة التي أخفقت إلى الآن والدليل ظهور طالبان مرة أخرى. Abdookhal2@yahoo.com