في الوقت الذي ظهر فيه عديد من الآراء المطالبة بإلغاء انتخابات الأندية الأدبية والعودة للنظام القديم المتمثل في تعيين أعضاء مجالس إداراتها، طالب مثقفون، وزارة الثقافة والإعلام بعدم العودة خطوة إلى الوراء وأن تصم آذانها عن الأصوات المؤيدة للعودة إلى التعيين، مشيرين في الوقت نفسه إلى ضرورة معالجة المظاهر السلبية لتجربة انتخابات مجالس إدارات الأندية، وهو ما يسهم في زيادة الاهتمام بتطوير برامجها وعدم انشغال إداراتها بخلافات لا طائل منها. وأبدى الدكتور محمد الربيع أحد الرؤساء السابقين للنادي الأدبي في الرياض، خشيته من التراجع عن فكرة الانتخابات التي اعترتها بعض السلبيات التي يمكن معالجتها، لافتاً إلى أن الأندية الأدبية مرت بأطوار مختلفة أحيانا في قمة التوهج والعطاء، وأحيانا قد يشوبها بعض الضعف، حيث اختلفت من ناد إلى آخر. وقال: "ربما أنها أهملت كثيرا جوانب أخرى كالمسرح والفنون التشكيلية؛ لذا نتمنى إنشاء مركز ثقافي كبير لا يلغي وجود الأندية الأدبية بل يصبح من ضمن المركز الثقافي بحيث يكون هذا المجمع أو المركز يمثل جميع المناشط الأدبية والثقافية، كما يسهم في الاهتمام بالمسرح ويضم مكتبة كبيرة ومكتبة للطفل والرسم، فمن يريد أن يزور أي مدينة يستطيع زيارة المجمع الثقافي ويتعرف على جميع المناشط الثقافية والكتب والمسرحيات. جاء ذلك خلال ندوة بعنوان "نادي الرياض الأدبي: المنجز والمستقبل"، وتحدث فيها الدكتور محمد الربيّع رئيس النادي سابقا، والدكتور سعد البازعي رئيس النادي سابقا، والدكتور صالح المحمود نائب رئيس النادي، وهدى الدغفق عضو مجلس إدارة النادي، وأدارتها الدكتورة هند المطيري، ضمن فعاليات الاحتفال بمرور 40 عاما على تأسيس أدبي الرياض. وقال عبدالله الشهيل رئيس سابق لأدبي الرياض: "نتطلع إلى فعل ثقافي أكثر حراكا ونشاطاً، خاصة أن الأندية الأدبية من مؤسسات المجتمع المدني، وارتباطها بالدولة شكلي وارتباط إعانة وتبرعات وغيرها، ولا أتمنى أن يرتبط النادي الأدبي بالجانب الرسمي؛ لأنه يفصل الحياة من الجانب الرسمي، بل تحرر نفسها من الارتباط الرسمي، وابتعاد الثقافة من الجانب الرسمي، وهذه الاحتفالية مناسبة مهمة، وأتمنى أن نفرح باليوبيل الذهبي بمرور 50 عاما". وروى الدكتور سعد البازعي، الذي ارتبط بالنادي 30 عاما (1405 ــ 1435هـ)، ورأس مجلس إدارته (1427 ــ 1431هـ)، بعض الذكريات، فقال: كان النادي حين جئته صغير السن، أصغر مني سناً، لكن القائمين عليه كانوا بكل تأكيد أكبر مني، ليس سناً فحسب وإنما علما وأدبا، ومع ذلك فقد كان لدي من الاعتزاز بالنفس في تلك المرحلة ما يجعلني أتقدم بخطى واثقة إلى رئيس النادي ثم إلى منصة المحاضرة أمام جمع من الأدباء والمثقفين لا يكاد يجتمع الآن إلا لاسم أكثر لمعاناً من اسمي آنذاك. وأردف البازعي "كنا حريصين على المواظبة في الحضور والمشاركة، نأتي هواة دون دعوة ودون إعلام يذكر، وفي السنوات التي تلت انضممت لعضوية مجلس إدارة النادي وقد حظي برئيس جديد هو الدكتور محمد الربيّع الذي استطاع باقتدار أن يحقق تغييراً حقيقياً في النادي بدخول المرأة لأول مرة، وتأسيس جائزة الكتاب، إلى جانب إضافات أخرى تحسب لمبادرات الدكتور الربيع شخصياً، ثم لم ألبث حتى وجدتني رئيساً لمجلس الإدارة". على صعيد متصل عقدت ندوة بعنوان "ندوة النادي وخدمة المجتمع"، تحدث فيها حمد الراشد عن فكرة تأسيس (الحلقة الفلسفية) بالنادي، التي بدأت في النصف الثاني من عام 2008، حيث انبثقت فكرة تأسيس نشاط يمثل الفكر الفلسفي. جانب من مناسبة أقامها النادي الأدبي في الرياض أخيرا. وأوضح الراشد أن فكرة الحلقة الفلسفية كانت على يد مجموعة من المثقفين والباحثين والكتاب، وقد اختير اسم لهذا النشاط، وهو "حلقة الرياض الفلسفية"، وبعد أشهر من التأسيس جاءت موافقة وزارة الثقافة والإعلام، مما كان له أبلغ الأثر في دفع النشاط إلى الأمام وتحفيز المشاركين، مضيفاً أن الفكرة والاختيار هما بهدف إعادة التفلسف ودعم الحراك الفلسفي بوصفه جزءا مهما من منظومة الثقافة والفكر بعد أن شهدت الفلسفة إقصاء ملحوظا في وطننا، خاصة وفي العالم العربي عامة لفترة طويلة من الزمن. وقال الراشد خلال الندوة" إن هذا الغياب للفلسفة حدث أخيرا بالرغم من أن العرب كانوا متصدرين العالم في الإنجاز العلمي والفلسفي والفكري، وبعد ذلك حصلت انتكاسة في الفلسفة والتفكير الفلسفي وأدت تلك الانتكاسة إلى تهميش قيمة الفرد والإنسان والعقل في مختلف مناحي الحياة، مما نتج عنه بروز مظاهر الجهل والانغلاق والتعصب". وشهدت أعمال الحلقة الفلسفية تنوعاً مختلفاً فكانت في بدايتها تركز على موضوعات فلسفية ومعرفية خاصة ربما تعد نخبوية، ثم قدمت بعد ذلك موضوعات مختلفة عن نظريات ومفاهيم وإشكالات فلسفية، في حين ركزت خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة على الاتصال بقضايا الواقع واهتمامات المجتمع بشكل أكبر، وعقب ذلك أتيحت الفرصة للضيوف لتقديم ما لديهم من تجارب ومشاركات لتحقيق نوع من التواصل المباشر مع المجتمع الثقافي ومراعاة أهمية التوثيق ونشر منجزات حلقة الرياض الفلسفية، في حين جرت طباعة إصدارين لأعمال الحلقة من قبل النادي بعنوان (أوراق فلسفية)، حيث يمثلان الأعمال التي قدمت. أما هدى الدغفق فقدمت ورقة بعنوان "المرأة والأندية الأدبية" قالت فيها: يمثل النادي الأدبي السعودي نموذجا فريدا للمؤسسة الثقافية المستدامة التي يفترض أن تفتح أبوابها وروافدها لكل فرد دون النظر إلى سنه أو نوعه أو انتماءاته المذهبية أو العرقية وهي الرسالة الفاضلة التي تبنتها بلادنا من خلال مؤسساتها الفكرية. وأشارت إلى أن هناك مسؤولات ساهمن في تعزيز الدور الأدبي الفكري للمرأة السعودية من حيث الحرص على وجودها ومشاركتها في المناسبات الثقافية التي يقيمها النادي على مدار العام، ومن خلال إشراك المبدعات والمفكرات في الأمسيات والندوات الأدبية والمسابقات الإبداعية وغيرها. كما عملت المثقفة العضو في النادي الأدبي على شراكة المثقفة في تحكيم المؤلفات الأدبية قبل طباعتها، وكتابة التقارير الخاصة ببعض لجان النادي التي ترأسنها وعرضها على الجمعية العمومية في مناسباتها السنوية. تلا ذلك مشاركة صالح الخليفة، ألقتها نيابة عنه زينب الخضيري بالحديث عن النادي التشكيلي، وبينت في الورقة أنها فرصة بهذه المناسبة أن نعطي فكرة عن رسالة النادي التشكيلي نحو المجتمع، وما نتاج شراكة النادي الأدبي مع النادي التشكيلي إلا خدمة للمجتمع، إذ بادر النادي الأدبي منذ مدة نحو المجتمع محدثاً نقلة نوعية منذ تأسيسه .. وفتح شراكات مع جميع مجالات الثقافة ومنها الفنون البصرية. والنادي التشكيلي من أهم رسالاته وأهدافه خدمة المجتمع. عقب ذلك تحدث عبدالرحمن الجاسر، أمين منتدى الشباب الإبداعي في ورقته التي تحمل عنوان "النادي وخدمة الشباب: منتدى الشباب الإبداعي نموذجاً"، وقال: إن الحديث عن مسؤولية الأندية تجاه المجتمع وتقريب الثقافة الفصيحة للمتلقي بعيداً عن النخبوية، وكيف استطاع نادي الرياض الخروج من عزلة النمط إلى الاقتراب أكثر نحو المتلقي بكافة أطيافه وطبقاته، وكيف استطاع النادي القيام بخدمة الشباب ورعايتهم من خلال عدد من المبادرات مثل الكتاب الأول والنادي الطلابي والمسابقات الشعرية والمبادرات التي يستضيفها النادي من خلال ما يقدمه الرواد كالإثنينية التي يقدمها الدكتور سعد البازعي، ثم تحدث عن الفكرة والانطلاقة والدور والنجاح الذي حققه المنتدى خلال عام ونصف العام.