كنت أعتقد – ومعي الكثيرون – أن غزة بصمودها وشهدائها والفاتورة الباهظة التي دفعتها من دماء أبنائها وإصرارها على مقاومة العدوان الإسرائيلي الوحشي على مدى 51 يومًا هي التي انتصرت في تلك الحرب رغم التضحيات والدمار الذي لحق بها حيث ستحتاج وفق تقديرات الخبراء إلى أكثر من 7 مليارات دولار وخمس سنوات كي تعود إلى ما كانت عليه قبل العدوان.. لكن ما أن وضعت الحرب أوزارها بعد أن نجحت الوساطة المصرية في التوصل إلى وقف لإطلاق النار حتى بدأت مظاهر حرب جديدة تظهر على السطح ، ليست بين إسرائيل وحماس ، وإنما بين فتح وحماس هذه المرة لتتضح الصورة الحقيقية لما حدث خلال الشهرين السابقين ، حيث لم يعد يخفى على أحد الآن أن الهدف الأساسي وراء شن إسرائيل حربها على غزة هو إجهاض المصالحة الفلسطينية والقضاء على حكومة الوفاق الوطني في مهدها ، واعتبر بنيامين نتنياهو أن إسرائيل بوسعها أن تعلن أن مهمتها انتهت في غزة عندما يفرط عقد المصالحة بين (الإخوة الأعداء) .. وهو ما يحدث الآن!. لكن قبل الخوض في مظاهر الانقسام الفلسطيني الجديد لابد من عودة سريعة لمشكلة الفلسطينيين الأساسية والمزمنة أيضًا .. وهي ما جبلوا عليه من الميل نحو الانقسام والفرقة والانشقاق .. وإذا ما استعرضنا تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية سنجد أن الأحزاب والتنظيمات والعائلات الفلسطينية الكبيرة كانت تتنازع فيما بينها بشكل دائم حتى قبل ثورة 1936 مما انعكس سلبًا على المشروع الوطني الفلسطيني في مواجهة الاستعمار والصهيونية والذي ظل يتراجع كلما اقترب من تحقيق أهدافه في التحرر والاستقلال بسبب هذا الفيروس اللعين.. وهو ما يفسر مسيرة النضال الفلسطيني التي طالت كثيرًا عن سياقها الزمني المفترض رغم عشرات آلاف الشهداء الذين سقطوا على درب التحرير. اتساع حجم الحرب الكلامية والتراشق الإعلامي مؤخرًا بين فتح وحماس لا يبشر بخير، خاصة بعد اتهامات الرئيس عباس باستهداف حماس لـ 300 من كوادرها في قطاع غزة خلال العدوان الإسرائيلي واتهام حماس بدورها أجهزة السلطة الأمنية بالاعتداء على عناصر الحركة خلال المهرجانات التي نظمتها في رام الله وطولكرم احتفالاً بانتصار غزة. كما أن إيفاد الرئيس عباس لصائب عريقات إلى واشنطن الأسبوع الماضي فسر من جانب حماس على أنه محاولة لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل ، وعلى أن الرئيس حسم خياره بالسلام معها ، بما يعني عودة المصالحة إلى مربع الصفر وفق رؤيتها. الانقسام الجديد الذي بدأت ملامحه تظهر للعيان من خلال هذه المساجلات والذي سيكون بمثابة القول الفصل حول المنتصر الحقيقي في معركة غزة - إسرائيل أم القطاع ؟- لا يبدو أنه سيقتصر على فتح وحماس ، بل هناك مؤشرات على السطح تدل على أن فيروس الانقسام هذه المرة سيصيب الجسم الفتحاوي نفسه ، وأيضًا الحمساوي .. وهو ما سيعني أن إسرائيل مع شديد الأسف هي التي انتصرت في معركة غزة .. ما لم تحدث معجزة تعيد قيادت فتح وحماس إلى رشدها !.