كان لي شرف موعد مع مكتبة الملك عبد العزيز العامة, مساء يوم الاثنين الماضي لعرض ومناقشة الرواية الكورية العالمية (أرجوك اعتن بأمي) للكاتبة كيونغ سوك شين، ضمن سلسلة نشاطات كتاب الشهر، وقد توّج ذلك النشاط منذ انطلاقته بشهادات نجاح ممهورة بأن الانسان يستطيع أن يحصل على المعرفة، ولكن بعد أن يستطيع أن يفكر. نعم نجحت المكتبة كمنشأة ثقافية وطنية كبرى، في تعبئة طاقات المثقفين، فظهروا مثل بزوغ النور من بين أكمام السحب، وتوشحوا طروحات فاضت ثقافة وأدبا. في ذلك المساء دخلتُ المكتبة، وقد أحاطها وقار الثقافة والمثقفين، واستقبلتني الأوعية القرائية وقد انتصبت شامخة، يضرب بعضها في جذور الماضي, وينزع نحو الأصالة, ويخوض بعضها الآخر سباقا بين الأزمنة الحاضرة والماضية، والمرام والمقصد عودة الفكر بعد غياب، ليحملنا إلى الوعي الذي عدّته وقوامه الثقافة. وجدت في مكتبة الملك عبد العزيز رغبات ملحة للتميز، ليكون الإنسان في بلادنا ملهما، يسكب في ذاتنا كثيرا من القناعات, ثم يجعلنا نتبناها, ونؤمن بها. لقد كانت الأنساق الثقافية تتسرب إلى بعض الخاصة، ويتخطّفها سمع العامة، إلى أن كانت مكتبة الملك عبد العزيز وأخواتها، فحضرت الثقافة بتعدديتها، وأصبحت ظلا مرادفا للحياة الممتدة عند جميع فئات المجتمع، صغاره وكباره، وذوي الثقافات الفرعية من المتخصصين فيه. خطفت مكتبة الملك عبد العزيز حزما من الأضواء, وكثيرا من تفاصيل المشهد الثقافي، فأصبح المتلقي يرد الماء من المنابع والسواقي، وأصبحت المكتبة اسما فارعا في تقديم الفكر الثقافي متعدد التكوين والمرجعية، وملكت في ذلك حدائق ذات بهجة, في المجالات الأدبية والعلمية والصحية والاجتماعية, وشئون المرأة والطفل, وتنمية الذات, فكانت بيئة صاقلة للروح, داعمة للفكر تهبّ نسائمها, تؤذن بقادم زاه جميل. وأمام هذا الركاز العظيم لاستظهار الثقافة، وسبر غزارها وغرارها, وحتى لا يقطّع أكبادها النأي، أو يلهب جنانها الحنين والشوق، فلا بد من احتضان آخر وآخر في مرتبعات أخرى في بلادنا، من خلال أوعية قرائية مثيلة، خاصة والنموذج المثال حاضر بسموق وتمكن، متمثلا في صرح المكتبة النامي. والتجربة أينعت وكان قطافها، فهذه الخطوات الحافزة، ميدان عظيم للقاء حميم تتلاقح خلاله بدائع المثقفين، وتشهد امتناح الواردين، وإبداعات الأولين والآخرين، وتتقارب الأرواح والعقول والساحات والمساحات. وختاما تحية للقائمات على المكتبة, وهن يمثلن قيمة الهدوء والعقلانية في إدارة الثقافة، عندما تنبت من ذات الحقل وإليه، ويرويها عهاد الغيث، فيصبح الفكر مخضراً، وتصبح رياض الثقافة مرتادا لبلابل الدوح, ومحضنا لكل ذي طرس وقلم. كم أتمنى أن أكون قد استنطقت الحدث بما يوازي جهود المكتبة الباذخة وأهلها. آخر البوح: همم تسامت في ذرانا الطيب ونمير عقل كالمجرة مذهب وخريدة تلقى النداوة هاهنا أحلى وأشهى من ربيع مخصب حين انبرت بعد الهجير غمامة ملأى تسح بفيض خير صيّب جذلى تحيط بها المباهج هاهنا ريا وبالكلم المنمق مسهب زخرت بألوان الكتاب رياضنا تروي حكايات الزمان المعشب فاليوم جمع بالثقافة سامر وأصائل سبقت لأطيب مأرب في مكتبة عبد العزيز مؤسس يحكي فخارا من أبيّ لأبيّ كم كنت قبل اليوم أعشق وردكم واليوم يبحر في ضياكم مركبي