رسالة محبّة إلى الأمير مشاري بن سعود صاحب السمو الملكي اخترعت كلمة نوستالوجيا في يوم 22 حزيران عام 1688 ميلادية. اخترعها طالب طب إلزاسي يدعى يوهانس هوفر؛ حيث جمع كلمة nostos ( عودة ) وكلمة algos ( معاناة ) ليصف مرضا عانى منه آنذاك الجنود السويسريون بعد أن ابتعدوا عن جبالهم. النوستالوجيا nostalgia هي إذن المعاناة الناتجة عن الرغبة غير المشبعة بالعودة، و الحزن الناتج عن استحالة العودة . على غرار هؤلاء الجنود السويسريين مرض أهالي جبل شدا الأعلى بعد أن ابتعدوا عن جبلهم. هناك من لا يصدق أن من يبتعد عن جبل ما يعانى من هذا المرض، لكن الحياة مملوءة بأمور لا تفسر، ولم أكن لأورد هذه الحقيقة العلمية لو لم يعاني منه الآن أهالي جبل شدا الأعلى. قبل أن يغادر هؤلاء، وعبر أجيال عديدة ولد وعاش ومات في جبل شدا الأعلى العديد من الشعراء، والمتدينين، والظرفاء، والنبلاء، والحكماء. ولكونهم في الجنوب. هناك في جبل شدا الأعلى، الجبل الذي تذكره كتب الأدب الجغرافي، وتنساه كتب التاريخ، فإنهم تحركوا على حافة التاريخ، تحركوا في اتجاه أي شيء من أجل أن يعيشوا. لم يسجل أحد سيرهم التاريخية؛ لأن التاريخ هو لا تاريخ الإنسا ، وغالبا ما ينسى التاريخ صراع الإنسان من أجل أن يعيش . لم تكن القسوة التي عاشوها قبل العهد السعودي الزاهر، ولا التعب الذي عانوه، كافيين لإقناع الحكومة بجدوى حصولهم على الخدمات. تركوا، غير أنهم عانوا أكثر فهجروا جبل شدا الأعلى إلى الظفير، و بلجرشي، و المخواة، وقلْوة، ومليل، والقفرة . والآن كل ما يفعلونه هو أن يتذكروا، والعالم الذي يتذكرونه هو جبل شدا الأعلى، غير أن ما يزعجهم هو أن ما تبقى في ذاكرتهم لم يختاروا بقاءه . فيما قبل كانوا يأتون إلى المخواة ــ على سبيل المثال ــ ليبيعوا خيرات الجبل الموسمية ثم يصعدون. أما الآن فهم مجبرون على أن يستقروا بعيدا عن الجبل. يجلسون كأبطال الملاحم القديمة؛ حيث الوعي المشوش، والفشل الواضح. لن تجد أناسا مهمتهم في الحياة أن يفشلوا في العودة أكثر من هؤلاء الجبليين، ومع ذلك يواصلون فشلهم مرحين . يتحدثون فيشعرون من يسمعهم بأن مكانهم الطبيعي هو جبل شدا الأعلى . هناك بين أحضان الطبيعة، حيث طراوة الأشياء، والعشب الذي يشكل الفرشة الطبيعية للأجساد. هناك حيث لا حزن يخدش روحهم البهية. جبل شدا الأعلى. جبل الروح الذين يريدون العودة إليه. يجتمعون بعيدا عن جبل شدا الأعلى، وحيث يجتمعون تربط بينهم الأحداث التي عاشوها واجتازوها في جبل شدا الأعلى؛ لذلك فهم يشعرون بحب للذكريات، وبفعل الزمن السعيد حينما كانوا يعيشون في جبل شدا الأعلى . ذلك الزمن السعيد هو الربع مما يحنون إليه الآن لأنهم لم يعودوا يتمتعون بالقوة اللازمة ليحنوا إلى كل شيء في جبل شدا الأعلى. صاحب السمو الملكي يريد هؤلاء الجبليون أن يعودوا إلى جبلهم، لكن لا طريق يؤدي بهم إلى جبلهم ، لكنهم يعقدون الأمل على سموكم .