من المقرر أن يعلن جان كلود يونكر رئيس الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي خلال الأيام القليلة المقبلة، عن فريق العمل التابع له والذي سيقود الاتحاد خلال السنوات الخمس القادمة. وإذ كانت المنافسة بين الدول الأعضاء في الاتحاد حول المناصب القيادية أمرا لا جديد فيه، فإن توقيتها ومدلولاتها الآن تحمل العديد من الرسائل بشأن قضيتين أساسيتين، أولاهما تتعلق بالسياسة الاقتصادية التي سيتبعها الاتحاد مستقبلا، والثانية ترتبط بالصراع الدائر مع روسيا حول أوكرانيا. ويقف الاقتصاد في مقدمة وسائل الطرفين في مقارعة بعضهما البعض، ويعتقد الدكتور فرانك باكسمان أستاذ الاقتصادات الأوروبية في جامعة ليدز، أنه سيكون من الصعب في الوقت الراهن أن يختار جون كلود فريق عمل يتناقض نهجه الاقتصادي تماما مع السياسات التقشفية المطبقة حاليا في أوروبا. وأضاف باكسمان لـ "الاقتصادية"، أنه يتعين علينا أن ندرك أن هناك فجوة بين فرنسا وألمانيا بشأن نجاعة سياسات التقشف التي تطبقها أوروبا، وهذه الرؤية التقشفية هي رؤية ألمانية في الأساس. وفي الأغلب فإن منصب مفوض الشؤون الاقتصادية والمالية في الاتحاد سيذهب لوزير المالية الفرنسي السابق بير موسكوفيتشي. يلاحظ أن برلين خففت رفضها للوزير الفرنسي في محاولة لامتصاص غضب الفرنسيين من النتائج السلبية لسياسات التقشف على اقتصادهم، ولهذا سيسعى جان كلود لإرضاء فرنسا وألمانيا في آن واحد. ويعتقد البعض أن محاولة الإرضاء تلك ستسمح لأوروبا بالمضي قدما في سياسات التقشف الألمانية، لكنها ستسمح في الوقت ذاته بمنح هذه السياسات لمسة فرنسية تخفف بعض الشيء من وطأتها الاقتصادية الصعبة على الطبقة المتوسطة في أوروبا، وأن تدفع معدلات النمو للأمام. إلا أن بعض الخبراء في الشأن الأوروبي يعتقدون أن الرؤية التي ستسود في نهاية المطاف داخل الاتحاد هي الرؤية الألمانية الداعية إلى ضبط الماليات العامة للدول الأعضاء عبر إجراءات انضباط مالي صارم، وأن الاعتراضات الفرنسية لن تمثل أكثر من زوبعة في فنجان. ويبني هؤلاء الخبراء وجهة نظرهم من منطلق اختيار قادة دول الاتحاد الـ 28 لرئيس الوزراء البولندي السابق دونالد توسك البالغ من العمر 57 سنة رئيسا للمجلس الأوروبي. وأشارت هيلين تيلر الخبيرة في الشؤون الأوروبية لـ "الاقتصادية"، إلى أن توسك هو أول رئيس للمجلس من أوروبا الشرقية، وينتمي فكريا إلى يمين الوسط، وهذا الانتماء هو ما دفع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون إلى دعمه. وعلى الرغم من أن البعض وجد في عدم إجادته الفرنسية والانجليزية نقطة ضعف، إلا أن نهجه الاقتصادي الداعي إلى الحد من تدخل الدولة، وإعجابه بشخصيات من قبيل الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريجان ومارجريت تاتشر رئيسة الوزراء البريطانية تكشف بوضوح أنه سيدعم بقوة السياسات الاقتصادية المحافظة، وتحديدا الموقف الألماني الداعي إلى تقشف الاقتصادات الأوروبية. وتبدو المواقف الاقتصادية لرئيس المجلس الأوروبي الجديد دونالد توسك أكثر ملاءمة لجناح الصقور في الاتحاد الأوروبي، المنادي بتبني مواقف أكثر تشددا تجاه روسيا، وزيادة حدة العقوبات الاقتصادية التي تفرض علها جراء الأزمة الأوكرانية. ويبدو هذا الموقف نقطة التقاء مشترك تجعل من ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني أكثر تقبلا لتوسك بعد الصدام الذي وقع بين الرجلين في شهر كانون الثاني (يناير) الماضي حول رغبة كاميرون في الحد من الإعانات التي تقدم لأطفال المهاجرين في الاتحاد الأوروبي. إلا أن توسك سيواجه أيضا بعدد من التحديات والقضايا التي عليه التعامل معها بشكل حاسم وسريع، فهناك سبعة بلدان إضافة إلى كوسوفو التي لا تعترف جميع بلدان الاتحاد الأوروبي بها كدولة مستقلة، تنتظر قبول عضويتها في الاتحاد. ولا شك أن توسيع نطاق الاتحاد الأوروبي في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعانيها الاتحاد عامة وبلدان منطقة اليورو خاصة، يتطلب تأنيا مفرطا في اتخاذ القرار. وعلى الرغم من أن توسك لم يصدر عنه منذ توليه مهام منصبه تعليقات حول توسيع عضوية الاتحاد الأوروبي وضم بلدان جديدة، فإن جان كلود يونكر رئيس الهيئة التنفيذية للاتحاد لا يبدو مرحبا بنهج التوسع مطالبا بالتركيز أكثر خلال السنوات الخمس المقبلة على تحقيق معدلات نمو أعلى ومزيد من الاستقرار الاقتصادي والسياسي في بلدان الاتحاد.