×
محافظة مكة المكرمة

تهاني: لا دراسة ولا زواج .. والشوق لأمي يقتلني

صورة الخبر

يعكس اعتراف الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعدم وجود استراتيجية جاهزة لدى إدارته لمواجهة تنظيم (داعش) مدى خطورة المأزق الآيديولوجي الذي تعيشه السياسة الخارجية الأمريكية منذ سقوط الاتحاد السوفييتي في إيجاد معادلة متوازنة بين متطلبات التنمية الداخلية ومتطلبات القيادة العالمية. ولقد فاز الجمهوريون المعروفون بنزعتهم الإمبراطورية بالسلطة منذ عام 1980، والكل يعرف أن الحروب والأحداث العنيفة التي وقعت في العقود الثلاثة الأخيرة كانت في فترات حكمهم التي لم تقطعها سوى فترة حكم الرئيس الديموقراطي الاستثنائي بيل كلينتون (93 ــ 2001). وقد استفاد الجمهوريون من زخم إخماد ثورة أمريكا الوسطى في عهد ريجان والسقوط الرسمي المدوي للاتحاد السوفييتي في 26 ديسمبر 1991 في تعزيز الهيمنة الأمريكية على النظام الأمني العالمي كقطب وحيد متفرد ترتبط به الدول الصغيرة مباشرة بعد انهيار ترتيبات الأمن الإقليمية ثنائية القطبية. وبعد السقوط الاقتصادي العنيف الذي بلغ أوجه في 2008، أدرك الأمريكان مدى مبالغتهم في تقدير قوة وثروة بلادهم وقدرتها على شن الحروب، وأن الحاجة أصبحت ماسة للانكماش لوقت قد يطول لإصلاح البيت وترميمه. وهذا ما آمن به الرئيس أوباما ورفعه كعنوان عريض لرئاسته منذ أول يوم له في البيت الأبيض في 20 يناير 2009، حين وعد بالتخلي عن دور شرطي العالم الذي لم يعد التمسك به ممكنا في مواجهة قوى صاعدة أخرى من ضمنها مجموعة (البريكس)، فسحب قوات بلاده من العراق ووحد باستكمال سحبها من أفغانستان وركز جهوده على إصلاح أوضاع بلاده الاقتصادية والاجتماعية. وامعانا في تعزيز التوجه (الانعزالي) قرر الرئيس إعادة نشر قوات بلاده حول العالم لتتركز بشكل رئيسي في حوض المحيط الهادي، مستشعرا المخاطر المحتملة المباشرة للبر الأمريكي من الصين وأمريكا الوسطى والجنوبية. أما التواجد في باقي أقاليم العالم فقد رسمت له استراتيجية تقوم على تعزيز دور القوى الإقليمية الصديقة ومساندتها بالقوات الضاربة المتحركة عند اللزوم. وبالطبع فإن أحد أهم الدوافع خلف مثل هذا التحول الاستراتيجي إضافة للاعتراف بدور القوى الصاعدة الأخرى ومجالاتها الحيوية كان الاقتصاد في النفقات. ولكن المخطط الأمريكي تجاهل في هذا التحول مسألتين على قدر كبير من الخطورة، إحداهما تكوين الأنظمة الصديقة حول العالم وما إذا كانت متوازنة ومستقرة داخليا ومتناغمة مع دول الجوار، والأخرى تصاعد دور المنظمات غير الحكومية بشقيها الإيجابي والسلبي. وبالتركيز على الدور السلبي للمنظمات غير الحكومية كالمنظمات الإرهابية والممولة للإرهاب والإجرامية. نجد أن هذا الدور تعاظم حد ظهور منظمات وجماعات مسلحة تتمتع بقدرات قتالية عالية وتسليح ممتاز ومصادر تمويل ذاتي مبتكرة وتكتيكات عسكرية متقدمة لشن حروب موازية لم تخبرها الجيوش من قبل. والمؤسف أن ظهور مثل هذه المنظمات كان متوقعا منذ بداية القرن ونجحت العسكرية الأمريكية في إدارة معاركه بنجاح كبير ولكنها لم تنقل تجربتها لجيوش الدول الصديقة خارج الأطلسي. ولذلك حينما يتحدث الرئيس الأمريكي عن عدم وجود استراتيجية لمواجهة (داعش) في سوريا هو يعني عدم وجود القوة الصديقة القادرة على شن الحرب البرية على الأرض كالبيشمرقة في شمال العراق، التي يمكن مساندتها بأضيق الحدود والتكاليف، ودون الاضطرار للتدخل البري في حرب لا ترى فيها الولايات المتحدة تهديدا مباشرا لأمنها بحسب تعبير الجنرال ديمبسي. ولعل ما تحتاجه الإدارة الأمريكية هنا هو استشعار الخطر الأمني الداهم المحدق بالمنطقة، والاعتراف بأنه لن يلبث أن يصبح مباشرا على بلادها بنفس القدر. وحتى إن حدث هذا فإن مساعي وزير الخارجية الأمريكي لتشكيل تحالف إقليمي لمحاربة داعش لن تنجح ما لم تعتمد منذ البداية على تشكيل تحالف عريض بعيد عن الأساليب القديمة بتوظيف مكونات عرقية أو طائفية على الأرض مثل البيشمرقة، والميليشيات الشيعية، والصحوات السنية في العراق، والطاجيك في أفغانستان، لأنها في النهاية ستطلب المكافأة التي قد ترفضها باقي المكونات ما يؤدي إلى مزيد من التدهور. ولضمان النجاح لا بد أن تكون أهداف التحالف الإقليمي لمحاربة الإرهاب في سوريا واضحة منذ البداية وأن تتعامل أولا وقبل كل شيء مع أصل العلة وماكينة توليد الإرهاب وهي النظام السوري الفاقد للشرعية، بالسعي لإسقاطه بأسرع وقت ممكن واستبداله بنظام متوازن للحفاظ على ما تبقى من بنية الجيش السوري وإعادة تسليحه لتنتظم تحت رايته كافة القوى العسكرية من غير (تهميش) ولا (اجتثاث). وحينها يمكن التحرك من دمشق لبسط سيادة الدولة على كافة أرجاء القطر السوري ..