أضحت المتناقضات من أبرز سمات عالمنا الاسلامي. فمن صورة بشعة مثل استهداف المصلين في المساجد بالتفجير، الى صورة مثالية عن البعد الانساني والعلمي عند دعوة غير المسلمين للاسلام. ودوما نستشهد برسائل النبي عليه افضل الصلاة والسلام الى هرقل وكسرى والمقوقس وغيرهم من ملوك ذلك العصر. وفي هذه الرسائل ركيزة رسالة الاسلام الخالدة - دعوة التوحيد- بلا اكراه في الدين او ارهاب المدعوين. فمن دخل في الاسلام قناعة وايمانا طوعيا اكثر بكثير ممن دخله خوفا وقهرا. بل ان الظاهرة الخطيرة هي اتساع الفجوة الايمانية ما حدا بغير المسلمين إلى الجرأة على دعوة المسلمين لتغيير دينهم. ولم يخطر ببالنا يوما ان يفعل ذلك من بني عقيدتنا وجلدتنا أحد. ولكنها فوضى القيم التي عبثنا بها في بيئتنا الايمانية وابعدناها بجهل او غلو عن صافي نبعها . فماذا حدث في منظومة القيم الاسلامية التي افرزت التطرف والارهاب؟ وهل هناك اي علاقة طردية او عكسية بين زيادة جرعة فقه الترهيب على فقه الترغيب؟ وكيف وصلت بنا الحال الى النظر الى جغرافيا العالم كرقعة اسلامية افتراضية واحدة، والسوس الطائفي العنصري ينخر في الرقعة الاسلامية الحقيقية ؟وما هي نتائج دراساتنا عندما زادت جرعة العنف وخطف الطائرات واخذ الرهائن منذ سبعينيات القرن الماضي؟ اسئلة كثيرة تدور في الاذهان وقد نحتار في الاجابة عنها او تصديق الاجابة نفسها. انها معضلة دراستنا للعنف والتطرف ضمن دراسة منظومة العلاقات القيمية بين الافراد والجماعات. ولذا كان لتكوين علماء الشرع وعلو مكانتهم العلمية وليس الدنيوية أن جعل اطراف العلاقة في المجتمع تحترم هذا التكوين وتعلي من شرعيته. ولكن عندما تنغمس تلك الشخوص في قاع الدنيوية تفقد بلاغة رسالتها وعمق تاثيرها في علاقات الاطراف. ومن هنا كانت دراسة ايكولوجيا التطرف والارهاب في سياق التحولات في ايكولوجيا مجتمعنا العربي والاسلامي مهمة للغاية. فرسالة التطرف لم تصنع محليا وانما تصنع خارجيا وتستزرع محليا لوجود الارحام القابلة لاستيلاد التطرف نيابة عن الغير. ذات الفكر القديم حصان طروادة او الطابور الخامس او العملاء والمرتزقة ومن لف لفيفهم او دار في فلكهم. هي ذات الفكرة في تغيير مكونات العلاقة من لغة وقناعات ومصالح وغيرها. تقول بعض وجهات النظر الايكولوجية القابلة للدحض والدراسة عندما تصبح بيئة العلاقات بين الاطراف غير متسقة تتجه منظومة الاطراف الى القضاء على بعضها . وهذا ما يحدث الآن بين اطراف العلاقات الاسلامية المتناحرة. وتقول ايضا عندما تصبح العلاقة متسقة متوازنة يتجة النظام البيئي الى الانتاج والتقدم وهذا ما حصل مع انتشار الحضارة الاسلامية. والاعمال الايجابية تتطلب الهدوء والاستمرارية والنضج. بينما اعمال العنف والتخريب لا تستوجب سوى العودة الى حال انسان الغاب. استخدام القوة لا العقل. وهذا ما نشاهدة في صناعة دراما العنف في الاخبار وللترفيه الاعلامي واستيرادها لترفيه ابنائنا وبعدها ينطلق الابناء للتقليد. فالارهاب والتطرف لا قيمة لهما دون ضجة اعلامية . فهي اقرب ما تكون للظاهرة السمعبصرية في التخويف والعنف. والذي لا يمكن لاي منظومة اخلاقية حكومية ان تمارس مثله. فهو مارد انفلت من عقاله وبات يحقق اجندات ومصالح الغير لتصبح المنظومة الاضعف تحت رحمة المنظومة الاقوى. وضعف المنظومة اصلا من داخلها فكرا وتنظيما. ولكن النتائج تقول ان ظاهرة الارهاب التي تقاس (امبيريقيا) بالارقام الدقيقة نتيجة للتوثيق الاعلامي نكتشف ان هذا العنف والتطرف لم يحققا اي نجاح سياسي. وان الدخول في لعبة السياسة الهادئة ابلغ اثرا في ايكولوجيا المجتمع الانساني الكبير. فخطف الطائرات وغيرها لم تحقق نصرا للفلسطينيين والدخول في لعبة السياسة جعل العالم يقف احتراما لرسالتهم. فبالسياسة اسقط القناع عن عنصرية اسرائيل بادعائها الديمقراطية واتجاهها لتكون دولة يهودية. ولعبة السياسة لا تسقط لعبة القوة ولكنهما معا في خندق الحكمة ابلغ اثرا. فبالعقل نحكم النظام لكي لا يجنح للفوضى الخلاقة. والتي هي بالمناسبة تطبيق فعال لايكولوجيا العنف والتطرف بايدي ابناء المنظومة المتناحرة. الخطورة في هذا الفكر انه يتجه عبر المنظومات الاصغر كما يحدث في العراق وسورية والسودان والصومال واليمن ومحاولة دسه في البحرين. وهذا ما تنبه له قادة دول مجلس التعاون في تفويت الفرص على المتربصين بالاعضاء فاعادوا السكينة للمنظومة الوحيدة المنتجة املا في عالم عربي لم ينتج الا الاحباط والتناحر في الراهن المريض.