النجم التلفزيوني المصري حسين فهمي أجاب في مقابلة صحفية، سألوه فيها عن مدى متابعة الجمهور لمسلسلات رمضان هذا العام, أن الجمهور العربي انصرف إلى متابعة الأحداث السياسية واحتشادات الشوارع.. وملاحظته صحيحة لكل الجماهير العربية. أكتب يوم الجمعة ال17 من رمضان, وأعلم بعد سؤالي لكثير ممن أعرف أن الناس تتسمر أمام أجهزة التلفزيون بعد صلاة التراويح. قلة تتابع المسلسلات المعهودة, وأغلبية ليتابع أخبار الاحتدامات في الجوار العربي؛ فالجوار متأجج في خارطة المنطقة وكلنا في كل وطن عربي لنا أقارب وأصدقاء في بقية الأوطان. نقف مع أو ضد المتحاربين فيها. واختلاف المواقف مما يحدث عن بعد أو عن قرب يتأجج أيضا في وسائل التواصل والحوارات الإلكترونية وعلى رأسها تويتر. حقيقة أشك أن معظم الناس توقفوا عن متابعة المسلسلات التركية والمكسيكية المدبلجة, وانصرفوا عنها إلى متابعة التغريدات والمهاترات والتصريحات على فضاء تويتر وإلى تبادل الرسائل على الواتسآب. وبين تويتر وإعلامنا اليوم وفي رمضان هذا بالذات كل ما نقرأ ونشاهد ونسمع يأتي بالضغط والسكر.. بين سيل القنوات المتزايد أختار بينها ما أراه أقلها تأجيجا وتزييفا, البي بي سي العربية هروبا من تأجيج العربية والجزيرة اللتان حولتا الأخبار العربية إلى مباراة بين فريقين: تتحيز الجزيرة لفريق الرئيس مرسي الذي سمى نفسه «الشرعية» ويتركز في ميدان رابعة العدوية، وتتحيز العربية لفريق الجيش الذي سمى نفسه «الشعب» ويتركز في ميادين عدة أهمها ميدان التحرير. وبين هتافات هذا الفريق وذاك انشغل الشعب العربي عن ركام الشوارع وحطام المدن السورية, وتعالي المستوطنات الإسرائيلية. والحقيقة أن أخبار الميادين وبيانات المحتشدين لا تقل في بهارات جرعتها اليومية عن المسلسلات الخليجية بين البكائيات والصراخ والعنف والكوميديا. ولمن لم يتابع أحداث الشارع المصري: اليوم هو اليوم الذي دعا فيه اللواء عبد الفتاح السيسي الجماهير المصرية للنزول إلى الشوارع والاحتشاد في الميادين لإظهار الدعم للثورة التي تمت على حكم الإخوان, كي لا يبدو أن رأي الشارع هو فقط رأي داعمي الرئيس مرسي الذي جاء بانتخابات عامة بعد إسقاط الرئيس مبارك الذي ظل يفوز بأصوات 90% من الناخبين في انتخابات صورية وحكم لعقود. وهو بعد إسقاطه مريض وقد زج به ومعاونيه في سجن طرة. الرئيس مرسي الذي تلاه بعد احتشادات الجماهير في الشوارع فاز بأصوات 52% في تحالف طموحات شتى حملته إلى الرئاسة رغم أنه كان مسجونا لأنه من من الإخوان المسلمين الذين حاربتهم كل الأنظمة السابقة واستطاع الهروب من السجن في بداية الثورة على مبارك. 52% تكفي في انتخابات ديموقراطية ليصبح من يحصل عليها رئيسا. ولكن رئاسته جلبت معها «الإخوان المسلمين». وسرعان ما نسي الإخوان أحكام الديموقراطية بعد الانتخابات وجزء كبير من الشعب لم ينسها فكان أن انقسم الشعب إلى حشود في أكثر من مدينة وميدان. وفي آخر ما شاهدت اليوم عرفت أن الرئيس مرسي أمسى هو الآخر في سجن طرة للتحقيق في تفاصيل الهروب من السجن قبل سنتين وقبل فوزه في الانتخابات. لا أعلم إن سبق في أي موقع بالعالم سجن رئيس خلع بعد حكم لعقود متواصلة, ورئيس لم يبق في منصبه سوى عام واحد. ألم أقل لكم إن الحقيقة أغرب من مسلسلات الخيال ومن الأفلام الهندية؟ لعلها نتاج قرون من الاحتقان.. والأغرب من هذا ما نراه على الجانب الآخر من الاقتتال الافتراضي على فضاءات تويتر التي أصبحت ملوثة كبحيرة المسك رغم أن من آداب رمضان أن نتذكر أن السباب والشتيمة واللعن تبطل الصيام.