طُلب مني مرة أن أتحدث عن تجربتي الشخصية في أداء فريضة الحج تحديداً، وقد ترددت كثيراً في تلبية الدعوة لعدة أسباب، أهمها أنه ليس في تجربتي (اليتيمة) «حاجاً» قبل بضع سنين ما يستحق التدوين ذِكْراً أو نشراً ! * * * - نعم.. شرفت حتى الآن بأداء فريضة الحج مرة واحدة قبل بضع سنين في حملة عائلية مباركة، وكانت تجربة لا تنسى ازدانت بالروحانية الخالصة، وبالدعاء أن يجعلني الله ومن معي من المقبولين. * * * - وأتذكر في ختام تلك التجربة المذهلة أنني وعدتُ نفسي بتطبيق المثل العام القائل (من حج فرضه.. يلزم أرضه)، وهو مثل بليغ وحكيم معاً، فالحج فريضة واجبة على المسلم والمسلمة مرةً واحدةً في العمر، وما زاد على ذلك فتطوع، ومن الحكمة بل والفضيلة أن يدَعَ المسلمُ الصالحُ مجالاً لسواه لأداء هذه الشعيرة المقدسة، وإذا كتب الله له العودةَ إلى بيته العتيق كرةً أخرى فذاك نُور على نور. * * * - لكن الذهن يختزن الكثير مما له صلة بموسم الحج، هذا الموسم الذي بات له من الذيوع والصيت والصدى ما تجاوز الآفاق من مشرق الأرض إلى مغربها، ومن شمالها إلى جنوبها، يؤيد ذلك ازديادُ عدد قاصدي بيت الله يأتون إليه من كل فج عميق يبتغون الرحمة والغفران من رب العالمين، كما أن وصولَ البثَّ المرئي والمسموع انطلاقاً من هذه الأراضي المقدسة إلى أصقاع الأرض ومن المسجد الحرام تحديداً، في كل لحظة من ليل أو نهار قد أسهم في شدّ القلوب شوقاً إلى زيارة بيت الله وشحذ الهمم تحقيقاً لذلك. * * * - تقول بعض الإحصائيات المتاحة أن مسلمي الأرض يدنون حالياً من حافة المليارين تقريباً مسلماً ومسلمة ينتشرون في قارات الكون الخمس، يتركزون كثافةً في قارة آسيا، ونحو (53) مليون مسلم في أوروبا، من بينهم (16) مليوناً في الاتحاد الأوروبي وحده، وفي بريطانيا وحدها، نما عدد المسلمين خلال العقود الثلاثة الماضية، إلى نحو مليونين ونصف المليون نسمة، اما في الولايات المتحدة الأمريكية فيقال أن نحو عشرين ألف أمريكي يعتنقون الإسلام كل عام، وهو أكثر الأديان هناك نموّاً وانتشاراً. * * * - ما أريد التمهيدَ له عبر الفذلكة الإحصائية السابقة هو أن بلادنا الغالية باتت محط أنظار وأفئدة المجتمع المسلم في كل أنحاء الأرض، يراود أفرادهَ الشوقُ والحنينُ لزيارة أراضيها المقدسة حجَّاً أو عمرةً، ولذا، فإننا مطالبون، دينياً وأدبياً، أن نتيح الفرصَ لسوانا من مسلمي الأرض كي يؤدُّوا شعيرتيْ الحج والعمرة بيسر وأمن وسكينة. * * * - وقد سنّت حكومتُنا الرشيدة من القواعد والإجراءات ما يعين على ذلك، فجعلت أداءَ الحج للمواطنين والمقيمين كلَّ خمس سنوات، أملاً في تخفيف العبء على القادمين من خارجها لأداء هذه الفريضة المقدسة، ولو مرةً في العمر ! * * * - وهنا، لا بد من الأخذ بعين الاعتبار أنّ جغرافيةَ المساحاتِ المقدسة في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة وقدرتَها الاستيعابية الحالية أو المتوقعة مستقبلاً لا يمكن بأي حال أن تلبَّي حاجةَ كل من يرغب في أداء الحج أو العمرة، على نحو متكرر من كل عام ! * * * وبعد..، - فيا أيها الأشقَّاء المواطنون والمواطنات، ويا أيها الإخوة الوافدون المقيمُون من المسلمين في أرضنا رجالاً ونساء، أناشدكم جميعاً عبر هذه الإطلالة المتواضعة، مجانبةَ الغلوَّ في أداء الحج أو العمرة تعاوناً مع رغبة هذه الدولة رعاها الله في تهيئةِ الفرصِ لزُوار بيت الله الحرام من الخارج، حجاً أو عمرة، كي يحقَّقوُا حلمَ العُمر في ذلك، لاعتبارات عديدة لا أخالها تخْفَى على ذهنِ الحصيف منكم. * * * الدولةُ المباركة أعزّها الله وبتوجيه ومتابعة من لدن قادتها الكرام، حريصةٌ ما وسعها الحرص على رفع طاقة الاستيعاب فـي كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة لاستقبال ضيوف بيت الله الحرام وزوّار مسجد رسوله الأعظم، عليه أفضل الصلاة والسلام. وتُبذَلُ في سبيل ذلك مبالغُ فلكيةٌ وصولاً إلى ذلك، انطلاقاً مما شرَّفَها الله به من واجب خدمة الحرميْن الشريفين، كي تكون زيارةُ الحرمين (حجاً أو عمرةً)، تجربةَ عُمْرِ لا تُنسَى، يُسْراً وسهولةً، ووفق الله الجميع إلى ما فيه كل خير وصلاح.