في ساعة صباحية مبكرة، وبعيدا عن ازدحام المنطقة المركزية للسوق، يجلس المستثمر الكويتي بدر بن علي الطريري وحيداً يجري بعض الاتصالات بهدوء تام، قبل أن ينضم إليه مجموعة من المسوقين والدلالين الذين يعرفونه جيداً، لتبدأ دقائق من الحديث الودي الذي لا ينقصه النقاش حول واقع تجارة التمور والاستثمار فيها. بدر الطريري الطريري الذي توقف لبعض الوقت عن إجراء اتصالاته لتبادل الحديث مع أصدقائه، أمضى أكثر من 20 سنة مستثمرا في سوق التمور في بريدة، ورغم هذه الخبرة الطويلة إلا أنه لا يجد رغبة في قول الكثير بقدر ما يبدي اهتماما أكبر بالاستماع إلى ما يقوله الناس عن المرحلة الحالية لهذه التجارة، قبل أن يبدأ في سرد شيء من ذكرياته، "كان مشترانا محدودا في تلك الفترة وكان أسلوب البيع يختلف تماما، ومن حسن حظي أنني عاصرت جميع بائعي التمور، وتعرفت على أكثر من نمط سواء في طريقة البيع أو التعبئة والنقل وغيرها". هذا الثراء في التجربة لم يحدث مرة واحدة، فالطريري مازال يتذكر أول عملية بيع قام بها قبل عقدين من الزمن، حيث لم يكن وقتها يعرف نوعيات التمور وجودتها وأشكالها ووزنها، ورغم ذلك فقد قرر خوض المغامرة موقنا بنجاحها ومستقبلها، وهو اليقين الذي لم يخب، حيث بدأت الأمور تأخذ شكلاً أكثر سهولة مع مرور السنوات وأصبح لديه مجموعة من الأصدقاء والمعارف من تجار ومزارعي ومسوقي التمور، وفي الوقت نفسه لم يعد ثمة صعوبة بالنسبة له في التفرقة بين أنواع التمور وأشكالها. وفي وقت يمثل فيه سوق التمور السعودي عامل جذب لاستثمار الأشقاء الخليجيين، يخبرنا الطريري أن إشكاليته الوحيدة هي ارتباطاته العملية التي لا تتيح له حضور السوق بصفة مستمرة، وبالتالي يكون وقته ضيقا عادة على الرغم من رغبته في البقاء أكثر، كما يكشف عن أحد متطلبات المستثمرين" أحياناً نقضي يوما واحداً أو وأحياناً نهارا أو مساءً واحدا فقط، رغم أن الدخول لأكثر من مرة يتيح فرصاً أكثر، حيث سيعرف المستثمر الفارق بين الأسعار، بالنسبة لنا فنحن نأخذ المتاح مهما كان السعر، وقد نواجه سعراً مرتفعاً أحياناً ولكننا نتفهم ذلك فهذه هي طبيعة السوق وفرصه، وعموما لا يهمنا أن يكون السعر غالياً ولكن يهمنا أن نجد خدمات مساندة أثناء البيع، مثلا الحصول على سيارة تحمل التمر خصوصا الكميات الكبيرة، هذه ثالث سنة مثلا أتفق فيها مع سيارة من خارج السوق وذلك بعد معاناة طويلة من البحث" ويوضح الطريري أن سيارة واحدة قد لا تكفي أحياناً لتحميل كل بضاعته فيكون عليه إيجاد مكان تخزين ريثما يجد سيارة أخرى، مقترحاً أن يقوم السوق بتخصيص ثلاجات للإيجار بمدة محدودة حيث تكون مخصصة فقط للتخزين المؤقت، وأن يطلب من العميل الاتفاق مع شركات نقل خاصة يمكنها توفير سيارات مجهزة بوسائل الحفظ والتخزين وتقوم بمهمة النقل إلى خارج المملكة، حيث إنه سبق واشترى كميات كبيرة يصل سعر الكرتون الواحد فيها الى 300 ريال ولم يجد طريقة لنقلها إلى الكويت إلا بسيارات عادية (لا تحتوي ثلاجة لحفظ التمور) ويعتبر المستثمر الكويتي أن من شأن هذه الخدمات المساندة أن تزيد من مستوى إقبال التجار من الخليج، والذين يهمهم كثيراً أن يجدوا أسلوباً واضحاً يتكفل بتسهيل أمورهم ومساعدتهم ويتم توضيحه وشرحه لهم عبر الموقع أو من خلال مطبوعات خاصة. حديث المستثمر الكويتي يلقى تأييداً من أصدقائه الدلالين الذين يحاولون مساعدته فيما يمكن وصفه بخدمات ما بعد البيع، فهم حريصون على أن تصل بضاعته إلى الكويت في أسرع وقت متاح وبأفضل جودة ممكنة، وفي لحظة معينة تكاد الطبيعة التجارية لهذه العلاقة تتنحى لصالح الإخوة الخليجيين التي تجعل المستثمر الكويتي يبدي سعادته أنه تعرف على أشخاص جيدين اختصروا عليه كثيرا من العناء، في حين يعلق أحدهم بلهجة قصيمية "يا ليت بيدينا أكثر ولا نقصر معه بشي". الطريري الذي ارتاد سوق التمور القديم، يقف الآن على واجهة التطور التنظيمي والتقني الذي شهده مجال التمور في المملكة ومهرجان بريدة خصوصاً، ويعلق: "لقد نظم السوق الآن، وأصبح من السهل أن أتابع أخباره وتفاصيله من الإنترنت فنعرف متى بدأ ومتى ينتهي، ومن ثم أصل إلى السوق بنفسي لأقف عليه ميدانياً وأحدد متطلباتي منه قبل التفاهم والتنسيق في أمور الشراء والنقل وغيرها، وحينما أحضر أقوم ببث مباشر لجميع فعاليات المهرجان عبر وسائل التواصل الاجتماعي وأضع بعض التعليقات لأحث الجميع على أن يحضروا بأنفسهم فليس من رأى كمن سمع. الطريري قطع إجازته الصيفية وجاء من بين عائلته من أجل حضور المهرجان الذي يقول إنه ينتظره سنوياً، معتبراً أنه حقق تقدما واضحا ويأمل أن يكون أفضل في السنوات المقبلة، يضيف "المهرجان متعة كبيرة لأي زائر أو مشارك، وهو كذلك مشروع استثماري يجب أن يؤخذ على محمل الجد، لقد لاحظت في الكويت محلات تمور قائمة بالكامل على مهرجان بريدة للتمور، ومنافسة شديدة للحصول على أفضل منتجاته، كما أن الجمعيات التعاونية لدينا تقوم بمهرجانات صغيرة تعتمد بضاعتها على إنتاج هذا المهرجان" وقبل مغادرته لإتمام عمليات البيع والنقل، يصف المستثمر الكويتي المهرجان بأنه مثل "السحابة التي تمطر على كل الخليج" وحينما سألناه عن رأيه في فيما لو فتح المجال بشكل واسع للتصدير ووصلت كميات كبيرة للكويت، أجاب دون تفكير "هذا سيكون جيدا بالتأكيد، ولكن لن يجعلني أتوقف عن زيارتي لبريدة كل عام!"