حينما أراد الله خلق الإنسان لم تركز الملائكة في تساؤلها حول هذا الكائن آمن أم كفر؟ بل لماذا يقتل؟ قالوا «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ»؛ حيث ذروة الفساد هي القتل. بكلمة أدق هي «وظيفة» الله فهو من يمنح الحياة، ويعيد الكائن إلى الصفر إلى العدم إلى الموت! هذا هو السؤال الوجودي الذي أقلق الملائكة عن جدوى خلق هذا الكائن القاتل؟ مع كتابة هذه الأسطر يكون القتال الدائر في سوريا بين النظام والثورة دخل السنة الرابعة، أضيف إلى سيمفونية القتال ألحان جديدة بين داعش والمالكي، وبين السنة والشيعة بعد أن دخل حزب الله اللبناني على الخط، وبين العلويين والسنة، وبين الحوثيين وأهل صنعاء، وبين الفلسطينيين من أهل غزة وبني صهيون يقودهم رجل يقال له نتنياهو، قتل فيها من جنوده العشرات مقابل المئات من أهل غزة، وصواريخ حماس تنزل لأول مرة فوق إسرائيل مع الرعب أن تتحول الصواريخ إلى شيء أكبر، فهكذا هي طبيعة الحرب عبر التاريخ. يقول «توينبي» المؤرخ إن دورات الحرب كانت دوما تميل إلى الاتساع والضراوة، أما العقيدة الاستراتيجية مع الحرب النووية فقد دفنت أفكار لاوتسي وصن تسو والضابط الألماني كلاوسيفيتس؛ فالجنس البشري على عتبة الجحيم لو أراد خوض الحرب، وعليه أن يجرب لو أراد بعد أن رأى رماد هيروشيما. يقول النيهوم إن اللعب بالنار لا يجعل النار لعبة. ومع اتساع الحرب المذهبية في الشرق الأوسط؛ فقد بات علينا أن نستحضر دروس التاريخ من الساحة الأوربية، فقد بدأت ملامح حرب مذهبية تطل بقرنها تذكرنا بحرب الثلاثين عاماً المذهبية في أوروبا التي امتدت بين عامي 1618 ـ 1648 وانتهت بصلح وستفاليا. نحن في العام 1434 هـ وأوروبا في عام 1434 ميلادية كانت تستحم بالقذارة وتبدأ حركة الإصلاح الديني، وغارقة في حروب شتى. ويبدو أن تاريخنا الهجري يمكن استبداله بالميلادي. الحرب في سوريا سوف تنتهي في يوم لا ريب فيه. والثورة ستصل إلى مستقر ومستودع. ولكن السيئ هو تفسخ النسيج الاجتماعي، وحجم هائل من الدمار، وقتلى ومعاقون بمئات الآلاف وكراهيات بقدر الجبال. الجو الروحي مسمم. كثيرون فقدوا اتزانهم وعقلهم وآمنوا بالقتل. إنه مخاض عسير لا نعلم فيه هل ستلد الأم طفلها دون عاهة ومعاق؟ هل سيموت الجنين وتنجو الأم؟ أم هل ستموت الأم ويموت الجنين في ظروف الوضع الدموية؟ يبدو أن هذا المنعرج تخوضه كل أمة قبل أن تصل إلى القناعة التي تقول إن القوة باطل. وأن التسلح باطل. وأن القتل باطل. وأن الحرب باطل. ولن يطول قدوم ذلك اليوم، حين يقف الناس في المتحف مشدوهين، يتأملون فوهات المدافع، أو أصناف الأسلحة التي لا تنتهي، التي صُممت بعناية من أجل الفتك بالإنسان؟! سوف يتعجبون من نوعية ذلك الإنسان البدائي «القاتل»، وينظرون إليه كما ننظر نحن اليوم إلى الديناصورات التي اختفت من وجه اليابسة. وإذا كانت الديناصورات قد غيبَّها الثرى قبل «65» مليون سنة، وإذا كانت الحياة قد بدأت قبل «3.5» مليار سنة، وإذا كان أمام الحياة أن تتابع سيرها في الأرض «5.5» مليار سنة أخرى، فقد نتحسر أننا ولدنا مبكرين للغاية، لأن التاريخ «الفعلي» للإنسان لم يبدأ بعد!!