×
محافظة المنطقة الشرقية

مبادرة وطن واحد تنطلق من مصر

صورة الخبر

هل نحن أمام فشل في نظامنا التعليمي يبينه إعلان الجامعات والكليات عن مناقصات للسنة التحضيرية، لتأتي شركة فتتولى إعداد خريجي الثانوية العامة الذين انضموا مؤخراً حتى تؤهلهم في اللغة الإنجليزية والرياضيات والعلوم فيصبح بإمكانهم -في حال تجاوزهم- الالتحاق بالسنة الأولى من الدراسة الجامعية؟ ولا أدري لماذا تطرح الجامعات تعليم وإدارة السنة التحضيرية في مقاولات، لاسيما أن حاجة الجامعة لتحضير الطلاب ستبقى قائمة ما دام خريجو الثانوية العامة عندنا يأخذون تحصيلهم عن المناهج القائمة بالطرق المعهودة ويعانون ضعفاً في اللغة الإنجليزية والرياضيات والعلوم، والدليل أن الجامعات السعودية الأكبر والأقدم ما برحت برامج السنة التحضيرية مستمرة فيها لعقود دونما توقف. وفيما تتواصل الحاجة لإعداد الطلاب لدخول الجامعة يستتبع أن تجعل الجامعات والكليات لبرامج السنة التحضيرية عمادات راتبة مستقرة ليس بعمداء فقط بل كذلك بمدرسين راتبين مستقرين، عوض عما نراه من طرح لمناقصات تتجدد كل عام وبعضها يطول لثلاث سنوات، إذ لا يوجد سبب واحد وجيه يبرر ذلك. لنأخذ مثلاً، تجربة جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ارتكزت منذ سنوات طويلة على إجراء اختبار قدرات لخريجي الثانوية العامة لتحديد القبول من عدمه، ولمن يقبل هل يخضع لبرنامج السنة التحضيرية أم ينضم للسنة الأولى الجامعية مباشرة، وكان العديد ممن أكملوا الثانوية في الخارج يقفزون السنة التحضيرية ويلتحقون بالسنة الأولى مما يمكنهم من الحصول على البكالوريوس في أربع سنوات، في حين أن خريجي الثانوية العامة السعودية -في الغالب الأعم وبعض الاستثناءات- يستغرقون خمس سنوات لإكمال البكالوريوس (سنة تحضيرية زائد أربع سنوات جامعية). مؤخراً احتفلت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بانقضاء نصف قرن على إنشائها، ومازال طلبة الثانوية العامة يمرون عبر برنامج السنة الإعدادية، شأنها في ذلك شأن بقية الجامعات السعودية. أفلا تستحق هذه التجربة الطويلة التوقف والتأمل؛ لماذا على خريجي الثانوية العامة مكوث سنة إضافية لاكتساب مهارات وقدرات كان يفترض أنهم اكتسبوها خلال سنوات التعليم العام الاثنتي عشرة، وخصوصاً أن جلّ الطلاب ممن يأتون من بلدان لديها برامج تعليم عام فعالة يثبتون أنهم ليسوا بحاجة للبرنامج التحضيري؟ بمعنى أنه وبعد مضي كل هذه العقود، ومعرفتنا -كوزارة تربية وتعليم ووزارة تعليم عالي- بأن خريجي الثانوية عليهم الانضواء في برنامج «لمعالجة وترميم» تحصيلهم في التعليم العام قد يستغرق عاماً أكاديمياً كاملاً وربما أكثر حتى يصبحوا مؤهلين لدخول مؤسسات التعليم العالي.. ورغم ذلك لم نتمكن من الارتقاء بحصيلة التعليم العام بحيث تغني خريجا عن إنفاق سنة من حياته تحضيراً لدخول الدراسة الجامعية! ولعل من الضروري أن تشغل الوزارتان فكرهما لتلافي هذا الهدر الفادح؛ سنة إضافية ضريبة دخول الجامعة، رغم أن الجميع يدرك أن السنة التحضيرية هي سنة ترميمية، تحوي على القليل مما لم يدرسه الطالب في سنوات التعليم العام. وبالقطع هناك شريحة لا بد أن تخضع لترميم، لكنني أتحدث بأن نسعى حثيثاً لتصبح هذه الشريحة هي الاستثناء وليس العكس كما هو الأمر حالياً ولسنوات طويلة مضت. وعلينا ملاحظة، أن نجاح الوزارتين في إطلاق مبادرة للتخلص من السنة الإعدادية في الجامعات، سيوفر عاماً كاملاً للتخرج بما يعني ذلك من وقت للخريج وتكلفة وتحسين الكفاءة الداخلية للجامعات كل على حدة ولمنظومة التعليم العالي ككل، والأرجح كذلك أنها ستوفر في سنوات الابتعاث، إذ سيتمكن الطالب أو الطالبة من الدخول مباشرة للدراسة الجامعية في الولايات المتحدة وبقية البلدان التي تدرس باللغة الإنجليزية، أو على الأقل ستختصر إلى فصل دراسي واحد. ولايقل أهمية عما ذكر سابقاً، التثبت من فاعلية التعليم العام لدينا، إذ يمكن الجدل أنه ليس أمراً مقبولاً أن نخرج طلاباً ليسوا قادرين -في معظمهم- من الالتحاق بالبرامج الجامعية بدون اكمال برامج «ترميمية». وإن كان هذا أمرا مقبولا في وقت من الأوقات، فليس هناك ما يبرر أن يبقى كذلك طوال الدهر، فالعديد من مؤسسات التعليم العالي الكبيرة لدينا تجاوز عمرها نصف قرن، ومع ذلك ما برحت البرامج التحضيرية نشطة وإلى توسع. لكني أعود لأطرح السؤال: لماذا اسناد هذه البرامج لمقاولين مادامت باقية منذ سنوات طويلة ويبدو أنها ستستمر لسنوات طويلة؟ نحن هنا نتصرف كمن هو بمقدوره أن يمتلك منزلاً له ولأبنائه ولأبنائهم يغنيهم عن الايجار لعقود لكنه يستأجر، ويفعل ذلك رغم ثرائه وبحبوحته. ومع ذلك، فإن رأت منظومة التعليم العالي لدينا أن التعليم في السنوات التحضيرية ليس من صميم عملها، باعتبار أنها فترة للمعالجة والترميم المعرفي والتحصيلي لخريجي الثانوية العامة، فلا بأس من الترخيص -بالاتفاق بين الوزارتين- لمؤسسات متخصصة للقيام بتلك المهمة، عوض عن طرح كراسات سنوية لمقاولين لجلب مدرسين ومدرسات، وكأن المهمة مؤقتة ستنقطع بعد أشهر أو سنوات قليلة.