×
محافظة المنطقة الشرقية

الأمير عبدالله بن مساعد يناقش مع روراوه برامج الاتحاد العربي لكرة القدم

صورة الخبر

كان يسرج صوته عبر أمشاج الفضاء، فتتلبسك أنفاس الأمكنة وخلايا الحبور، كان يرمم أسماعنا بمصبوب البشارات وبياض الهديل وأسراب اللذائذ، كان يروض مساءات الأثير الإذاعي بحنجرته الوهاجة، ولغته الهاطلة والمندلقة كموشح أندلسي، رأيته مرة واحدة في أمسية عكاظية، لا يبتسم صارم النظرات كأن وراء حنجرته قاطرات من الهموم، وسلال من الأشجان وقطعان من جمرات الألم المراق، لا يكف عن الاشتعال كالمجرات منتشياً بما ادخره من حرقة وعي، يمتاح منه ضد سطوة التلوث ورماد الذبول ووجوه الهزيمة "فلا الزمان إذا هادنته زمني.. ولا المكان يداني قامتي طولاً"، قرأت تجليات ذاته وهواجسه من خلال ديوانه "آه من سطوة الفقدان، آه من موت العبارة"، متعدد التفعيلات والقوافي والموضوعات، وكأنني عثرت على مفاتيح هذا الكائن الوقور، وخطابه الشعري الانعتاقي، فالأحداث ثقيلة الوقع بما تمثله من انعكاسية وتواشجية، تجعلك أكثر اقترابا متخيلاً من إحساسه الكامن، وفلسفته الحياتية ورؤيته الوجودية، في قصيدة "فقرة حرى من كتاب الغياب"، يرثي صديقه الراحل "سعيد بن شوشه الثبيتي" يقتسم معه جمرة الواقع وخبز الاصطبار والحدس المتقارب: "لقد عاش حراً جميلاً حفياً تشكله خشية الأتقياء. حاربته شعاب الحياة.. نازلته عواصف الوجود. وكادته أسباب النجاة. واستوى إلى جانبه وتحت ظبنه. من يناصبه المرارة والشقاء. ويناكفه في ميسور عيشه. فكان استثناء في الصبر ورفض القهر وكان عجباً في القبض على الجمر!!"، فضاء الموت وإحالاته واستدلالاته التي طغت على نفثاته العميقة وانبثاقاته المدهشة في الديوان، لم تقفل منافذ الرؤية الاستبصارية عند عبدالله الزيد، ولم تجعله ينخرط في بكائيات واهية ومنادب متفسخة أمام جلال الموت، بل حولته إلى خيط ضوء ينسل في جنح الظلام: "أبداً لا فرق بين الموت في "القدس" وعرس عربي شق أجواز الفضاء"، النبرة الرثائية عند الشاعر تأتي في إيقاع تركيبي حاد يعتمر التوصيف الحكائي والحدث الدرامي المؤثر وملكوت الشغف الإيماني العتيق:"أحياك حي لا يموت وأنت في.. عين النعيم مجاهر تستأثم، إن كنت من عبد ذليل تستحي.. هلا استحيت وقد رعاك الأكرم، إن حاصرتك كبائر جبارة.. فالله أكبر من سواه وأعظم"، إن المكنون النفسي المتأصل في أعماقه، يجعله يرصد ذلك التقابل الأزلي بين الحياة والموت والبقاء وشبح الزوال، ليدون القلق الإنساني والضبابات المفزعة والتهويم الحلمي "أمست الدنيا سياقاً مترعاً..بشفاء القلب في قلب الشفاء، قصة الحي مداد مثقل.. برهاب الموت من قبل الفناء، لا شباب الروح يغتال الأسى.. أو كتاب العمر يرتاد البقاء". شعرية الزيد معطى لغوي فاره، ذو حمولات وإيحاءات ولعبة عقلية، تمنح نصه ثراء وخصوبة وانفتاحاً، يتموقع بين النص وعنواناته كعتبة أولى، لفك مغاليقه وتنعيم صلابته وتوسيع المعنى والمفهوم، مما يمنح النص ألقه وحضوره المكثف.