لم يعد لدى الأمم التي تتعرض للمؤامرات فسحة من الوقت كي تستفيض في مناقشة أهمية الشباب لديها أو تستغرق الوقت في التنظير والاستمرار في طرح الرؤى، واستعراض المقدمات حول دور أبنائها في البناء والدفاع عنها، فقد بات واضحاً أن تلك المقدمات تبدو من قبيل الترف الثقافي الذي يضيّع الوقت لإثبات ما تأكّد من حقائق لا يمكن إنكارها أو التغاضي عنها، ولم يعد من المجدي أو المفيد إضاعة كثير من الوقت في إثباتها أو إعادة تأكيدها، نقول ذلك ونؤكده ومنطقتنا تعايش ظروفاً عصيبة لا تخفى مخاطرها، بعد أن أحكم المتآمرون خططهم وألبسوها مسميات زائفة، وأطلقوا على مؤامراتهم عناوين وتسميات مضللة وهي أبعد ما تكون عن رونق الربيع وصفائه، فقد رأى الجميع وشاهد ما أعقب مؤامراتهم من دمار وتخريب أصاب بلداناً عديدة، وما نتج عن تلك المؤامرات من فتن عصفت باستقرار المنطقة وبددت أحلام شبابها في الاستقرار والرخاء. وبعد انكشاف المخططات لم يعد أصحابها يتوارون خجلاً، وأصبحت المواجهة الحاسمة هي الحل، والاستعداد العملي هو السبيل الصحيح لدرء الأخطار المحدقة بنا، من غير إغراق في النظريات التي نكتفي منها بترديد ما حفظته قرائح الكتاب، فقد بات الأمر خطيراً للغاية، حيث أثبتت الأحداث من حولنا أن الشباب هم الأدوات التي يتلاعب بها المتآمرون، وهم أيضاً الوقود الذي يشعلون به الفتن ويحرقونه من أجل تحقيق أهدافهم الخبيثة لتدمير الشعوب وتقسيم الدول، وأصبح الشباب أداة طيّعة تقع في براثن أولئك الذين يسعون في مكر ودهاء لكي تعمّ الفوضى المنطقة كلّها بألاعيبهم التي دبّروا لها بليل، ولم يعُد أحد في المنطقة بمأمنٍ على نفسه من مؤامراتهم ودسائسهم. وقد أثبت الواقع من حولنا أننا أمام واجب الدفاع عن الدين والوطن في حاجة إلى شباب واعٍ، يدرك حقيقة ما يجري في المنطقة، ويعرف حجم الأخطار المحدقة بنا، وما يُحاك لنا من مؤامرات فأين شباب المملكة من كل ما يجرى؟ وأين يجب أن يقفوا؟ وماذا أعددنا لهم ليكونوا بعيدين عن مناطق الخطر ويصبحوا قادرين على تلبية نداء الوطن والدفاع عنه والوقوف سداً منيعاً في مواجهة تآمرات أعدائه؟ ألا يحتاج الأمر إلى التفكير في سبل المواجهة الحاسمة التي تُحصّن أبناء المملكة تحصيناً حقيقياً من الوقوع في زيغ الدعاوى المغرضة، والفكر الباطل المتطرف الذي يروج له أعداؤنا للإيقاع بفلذات أكبادنا ليكونوا وقوداً لمؤامراتهم الدنيئة؟ وألا تستحق المواقف المؤسفة الأخيرة التي راح ضحيتها بعض أبناء الوطن على يد بعض المغرّر بهم من أبنائه، ألا تستحق مراجعة شاملة لتقويم أساليب التربية والإعداد والتحصين التي نتبعها داخل مؤسساتنا التربوية والثقافية والإعلامية، وألا تستحق أيضاً إعادة النظر في كيفية تعظيم دور الأسرة وتحمّلها المسؤولية كاملة في رعاية أبنائها، لتكون أكثر فاعلية في تزويد هذا الوطن المعطاء بما يستحقه من أبناء مخلصين، وشباب أوفياء لا يستطيع العدو اختراق عقولهم أو استدراجهم إلى مواطن التهلكة والفناء؟ وإذا كنَّا نتساءل عن التربية والتوجيه والتحصين، فلعل واقع ظروف الشباب تشير لنا أيضاً إلى مكامن خطر حقيقية في حياتهم، فما زالت مشكلة البطالة تمثّل شبحاً مخيفاً يتهدد حياة الكثيرين الذين حصلوا على المؤهلات العلمية، ولم تُتح لهم الفرص الوظيفية التي تؤهلهم لحياة أسرية آمنة، على الرغم من مرور سنوات على تخرجهم، وحاولت الدولة خلالها أن توجد لهم الوظيفة المناسبة، كما حاولت التخفيف من آثار البطالة التي يعانون منها. إن الحلول الحاسمة لمواجهة مشكلة البطالة وآثارها كفيلة بسدّ ثغرة من تلك الثغرات، التي ينفذ منها أعداء الوطن إلى ضعاف النفوس من الشباب، وضعاف الإعداد الوطني منهم الذين تقاعست مناهج التربية عن تحقيق الكفاءة في إعدادهم، ولم تتمكن برامج التثقيف والتوعية والتوجيه من حمايتهم من مواطن الخطر ودعاة الفتنة والضلال. وإذا كان الشباب في حاجة للمزيد من الاهتمام، وإلى نظرة تكاملية شاملة، ليصبحوا أقدر على القيام بواجباتهم نحو وطنهم، فهل وفَّرت برامج إعداد الشباب الفرصة لتأهيلهم ليكونوا قادرين على حمل السلاح دفاعاً عن الوطن إذا لزم الأمر، ألا تستحق خطورة ما نراه من حولنا تفكيراً جاداً في تدريب الشباب تدريباً عسكرياً، ليكونوا عوناً وسنداً لجيشنا البطل ولأجهزة الأمن الواعية اليقظة إيماناً وثقةً بأن أبناء الوطن هم الأقدر على الذود عن حِماه؟ إن إعداد شباب الوطن يحتاج إلى جهود متكاملة وشاملة تضاف إلى ما يبذل من جهود، ليصبح الشباب مؤهلين لاعتزاز الوطن بهم في مجالات البناء والتنمية والتضحية والعزة والكرامة. حفظ الله بلادنا من كل مكروه، وحفظ لنا قيادتنا وأمننا واستقرارنا.