×
محافظة المنطقة الشرقية

من التأمين التعاوني والتكافل الاجتماعي المستحب في الإسلام .. عضو مجلس الشورى د. الغيث لـ«الجزيرة»: «ساند» جائز شرعًا .. ويجب الوقوف بجانب هذه البرامج الوطنية

صورة الخبر

الحياة الهانئة تكون خواء من المعاني الدافعة إلى الأمام والمعاني الجاذبة، وأنا من المؤيدين لقول المعري في نصف بيته الشهير (تعب كلها الحياة..)، لأن هذا النصف يتسق مع الآية الكريمة.. «لقد خلقنا الإنسان في كبد». وأما نصفه الثاني (فما أعجب إلا من راغب في ازدياد)، فهذا لا نوافقه عليه، فالدعاء المأثور يقول: اللهم اجعلني ممن طال عمره وحسن عمله.. إذن طول العمر مع حسن العمل فضيلة لا تقاس بثمن، ومن أوتيها فقد فاز فوزاً عظيماً. وعندما مر الإسكندر على عجوز قد طعن في السن، ومالت شمس حياته نحو المغيب. قال الإسكندر: أتحب أن يطول عمرك قال: نعم، قال: وماذا تعمل فيه وأنت قد تهالكت قواك وضعفت؟ قال: أريد أن أزداد لله حمداً وشكراً وتسبيحاً وذكراً. إذن، الزيادة في العمر مع العمل الصالح مطلوبة ومرغوبة، ولكنها -أعني الحياة- جُبِلَتْ على النكد والكمد والكبد. وإذا أحببناها فيجب أن نحب نكدها ومشاكلها من منطلق الإيمان بالقضاء والقدر، والتسليم لما أراد الله بنا ولنا. قال العليم الحكيم يعلمنا كيف نواجه ما نكره في هذه الدنيا: «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا». بعد هذه المقدمة، أنقل لك عزيزي القارئ حواراً دار بيني وبين أحد الأصدقاء: قال: ما بال الناس لا يرضون بالمشكلات، ويتأففون من أي طارئ يخرجهم من العادة والمألوف؟! قلت: هذه طبيعة الأحياء.. قال: ألم تعلم أن المنغصات في الحياة هي روافدُ البقاء، وأساس السعادة.. ومن أسباب أو من أسرار البقاء والتقدم.. قلت كيف؟! قال: الحياة الهانئة تؤول إلى الضمور والتخاذل والميوعة ثم التلاشي والعدم. إن ما يعاند الفكرَ يجعل الفكرَ يتقد ويقدح زناده في البحث عن مخرجٍ؛ ليتغلب على تلك المضادات، وتجاوزها نحو الأفضل، ولا ينمو الفكر ولا تتسع دائرة فقهه إلا بذلك، ألا ترى كيف يربي الرياضي عضلاته، أهي تنمو وتسعده في اللقاءات الرياضية، وهو يتعهدها بالأكل والشرب والنوم والكسل والاسترخاء.. إنها لا تنمو إلا بالصعاب، وإن لم تكن هناك صعوبات يفترضُ هو لها الصعوبات، بأن يركض في مضمار أو يحمل حديداً أو يلاكم كيساً من القش أو المطاط أو... إلى غير ذلك مما نراه عادة في الأندية الرياضية، وكذلك في حالة الرياضة العقلية يَفترضُ بعض التمرينات التي ليست واقعاً ولكنها تشبه الواقع، كل ذلك ينمي الخبرة، لذلك اعتمدت الوظائفُ على أصحاب الخبرة بشكل جعل أصحاب الشهادات المتخصصين يقفون في الصف الثاني أو الثالث. قلت: ما علاقة كل هذه الشروحات بما طرحناه في أول حديثنا؟! قال: إن المشكلاتِ التي تعترضُ الإنسان على هذه الأرض بشتى أنواعها المادية منها والمعنوية، هي من نعم الله عليه، فالحياة لا تثبت على حال وليس من صالحِ الحياة الثُبات على حال.. فالمثل يقول: لو دام الربيع لماتت الأشجار من العطش. ومعنى هذا المثال أن الشتاء لن يأتي بمطره وغيثه للأرض والأحياء إذا دام الربيع. والمشكلات حالةٌ طبيعية وليست نشازا في سيمفونية الحياة الرائعة، بل هي نوع من التناغم في سيرورة الحياة.. والحي الإيجابي هو الذي يستخلص من ذلك ما يفيده، ويزيد رصيده في مواجهة الدنيا، ولو نظرتَ إلى وقت فراغك فإنك لا تستمتع به ما لم يكن لديك عملٌ تنجزهُ فيه، وإلا داهمتك الهموم فيه وغزاك الاكتئاب، وبدأت تأكل نفسك بنفسك، المشكلات يا صاحبي هي مِلح الحياة.. وأي طعام يخلو من الملح نجده ماسِخاً. والله -جل شأنه- لم يجعل حياتنا كلها مشكلات، أي لم يجعلها ملحاً صرفاً.. بل منَّ علينا بالصحة والمال والعيال والشجر والثمر والليل والنهار والقوة والاستمتاع بذلك كله، ولكن لا بد من منغصات منبهة تقول للإنسان لا تغفل، وأذكر الخلاق الرزاق، فالجسم لا يكوِّن مضاداته ضد الجراثيم القاتلة إلا عندما يتعرض لشيء منها. وتلك من حكم الله العليم الحكيم.