بدأت العملية السياسية الجديدة في مصر في المضي قدماً بانطلاق أعمال «لجنة الخمسين» لتعديل الدستور التي أقرت أمس قواعد عملها وآليات تمرير مواد الدستور الجديد، وسط جدل حول الدعم المستمر الذي يناله وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي للترشح لمنصب رئيس الجمهورية من شخصيات عامة وحتى من مرشحين سابقين للرئاسة في انتخابات 2012. وعلى رغم أن السيسي نفسه نفى نيته المنافسة على كرسي الحكم. وقال بوضوح في مؤتمر حضره مئات من ضباط الجيش والشرطة إن «شرف حماية إرادة الشعب أحب لدي من شرف حكم مصر»، لكن كثيرين في مصر، ومنهم مرشحون رئاسيون سابقون، باتوا يرون فيه الرجل الأوفر حظاً، بل وأعلن بعضهم نيته عدم خوض السباق في حال نافس فيه السيسي. كما أن هناك من أعلن نيته تشكيل لجان تجمع توقيعات تدعو السيسي إلى الترشح للرئاسة. وكان المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي الذي حل ثالثاً في الانتخابات السابقة التي فاز فيها الرئيس المعزول محمد مرسي، توقّع أن يفوز السيسي إن ترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة المقررة بعد شهور قليلة، في تلميح إلى دعم ضمني له، فيما كان الفريق أحمد شفيق، الذي حل ثانيا في الانتخابات السابقة، أكثر وضوحاً، إذ أبدى تأييداً صريحاً للسيسي. وقال في لقاء تلفزيوني إنه لن يخوض الانتخابات إذا ترشح الأخير فيها، وسيكون أول من يدعمه. أما المرشح الرئاسي السابق عمرو موسى الذي جاء في المركز الخامس في الانتخابات الماضية، فقال إن «السيسي في لحظتنا تلك هو أكثر الناس شعبية في مصر وإذا ترشح فسيفوز باكتساح، وذلك طبقاً للوضع الحالي واللحظة الراهنة». ونال السيسي شعبية جارفة بعدما تدخل بحسم لتنفيذ مطالب المتظاهرين في 30 حزيران (يونيو) وأعلن بعد اتفاق مع قوى سياسية ودينية وشبابية خريطة طريق عُزل مرسي بمقتضاها عن الحكم. وحين زادت الضغوط على الجيش بعد عزل مرسي طلب السيسي من المصريين التظاهر يوم 26 تموز (يوليو) الماضي لتفويضه «مواجهة العنف والإرهاب المحتمل»، فلبى الملايين الدعوة. وتنتشر صور السيسي في شوارع مصر، وتتصدر واجهات متاجر عدة، ووصل الأمر إلى حد وضع صورته على بعض المنتجات مثل الشوكولاته أو الميداليات. وقال الخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور نبيل عبدالفتاح إن «الضعف الشديد لقوى المعارضة السياسية وفقدانها أواصر العلاقة العضوية مع الشعب هو ما يدفعهم لترشيح السيسي نظراً إلى طبيعة اللحظة الراهنة التي استطاع فيها أن يحقق بعضاً من الشعبية، بعدما رأت قطاعات واسعة من الشعب أن تجربة الإخوان فشلت في الحكم». وأوضح عبدالفتاح أن «الجيش وقادته اكتسبوا بعضاً من الشعبية نتاج حالة الفراغ السياسي... قوى في المعارضة تشكل ظهيراً سياسياً للجيش في مواجهته مع الإخوان والحركات الجهادية، ويبدو أن عقداً سياسياً ضمنياً موقتاً مفاده أن الجيش يدير شؤون البلاد بتفويض من بعض القطاعات لتحقيق الاستقرار الأمني ومواجهة أخطار الأمن القومي ومحاولة تخصيب قوة الإخوان، وفي مقابل ذلك يُمكن السماح بترشيح السيسي. لكن هذا العقد استثنائي ومرهون بما سيحدث في الشهور المقبلة». لكن ترشيح السيسي في انتخابات الرئاسة خطوة - إن أقدم عليها - قد تُعطي فرصة لترويج فرضية أن ما جرى في 30 حزيران (يونيو) كان انقلاباً عسكرياً للإطاحة برئيس منتخب وتنصيب قائد الجيش بدلا عنه، وهو ما أكسب موقف السيسي الرافض للترشح «أهمية خاصة» في رأي عبدالفتاح الذي يعتقد أن «ترشح السيسي يعني أن غالبية الشعارات والانتقادات الموجهة من أميركا وأوروبا ستكسب بعضاً من الصدقية». لكن عبدالفتاح في الوقت نفسه لا يستبعد تكرار «سيناريو كلاسيكي» يقوم على «ترك الضغوط تأتي من خارج المؤسسة العسكرية لدفع قائدها للترشح».