فجرت السعودية ـ مطلع هذا العام ـ قنبلة دبلوماسية من العيار السياسي الثقيل، وهي تعتذر عن قبول عضويتها الموقتة في مجلس الأمن، في سابقة هي اﻷولى وقد تكون اﻷخيرة لدولة ترفض شرف العضوية المزعومة في هذا المجلس. إن هذا المجلس يجسد بمنهجه وآلياته وقراراته مقياسا نوعيا ومرجعيا لكل معاني التطرف والفوقية والعنصرية، مجلس يديره خمسة كبار، وحدهم من يملك الحق لنقض أي قرار ﻻ يتواءم مع مصالحهم ومتطلباتهم، وهؤﻻء الكبار الخمس تعكس حركاتهم السياسية والدبلوماسية، صورةً مكبرة لصور الفتونة والبلطجة في اﻷحياء واﻷحراش، إﻻ أن البلطجة يظل لها هامش أخلاقي يضيق ويتسع حسب المزاج اﻹنساني وتأثيراته، ولها كذلك ميثاق شرف أخلاقي بسيط يظل ضابطا ومرشدا لبعض السلوكيات والممارسات الخاطئة، إلا أن ما يحصل في هذا المجلس يعكس كل معاني التسلط والظلم لشعوب العالم أجمع. أعجب من الغرب ساسة وشعوبا، كيف يستطيعون المواءمة بين مفاهيم الديموقراطية الجذابة المسوقة سياسيا، وبين ما يشهده العالم من تجاذبات وخروقات سياسية واقتصادية وإنسانية باسمها؟ إنها حالة من الفصام اﻹنساني والعقلي تعيشه دول الشرق والغرب، فصام فرضته مفاهيم الديكتاتورية وحب السيطرة. إن حالة الفصام تلك تجعل مثقفي ومفكري الغرب يعيشون حالة من الازدواجية المقيتة والمضحكة، التي تجعلهم يسوقون لنظريات غريبة وعجيبة، ﻻ تمت للواقع اﻹنساني بأي صلة، فمفكر أميركي مثل فوكوياما في كتابه الشهير "نهاية التاريخ واﻹنسان اﻷخير"، يرى أن الديموقراطية الغربية هي الشكل اﻷخير لكل أنظمة الحكم في العالم، وهي خيار اﻹنسان اﻷخير للعيش تحت مظلة حكم عادل ونزيه. وهنا يتساءل اﻹنسان أيا كانت هويته أو عرقه أو جنسه، ما الشواهد من التاريخ والواقع اﻹنسانيين، التي تؤكد حقيقة هذا الطرح؟، وما مقاييس هؤﻻء المفكرين وهم يؤمنون ويسوقون أفكارا كهذه، ليست لها وجود أو شواهد على خارطة المجتمع اﻹنساني عموما والمستضعفين خصوصا؟ إن قاتلا مثل بشار اﻷسد تخلت عنه كل القيم اﻹنسانية قبل أن يتخلى عنها، مازال يمارس سفك الدماء تحت غطاء قانوني ممثل في مجلس اﻷمن، شرعن له ذلك وحلله، ومازال التاريخ يكتب في سورية فصوﻻ من المآسي والجراحات، بإخراج أممي مثير مجسد في مجلس اﻷمن، الذي يتبادل خمسته الكبار، أدوار شرعنة القتل والدمار والخراب في شتى بقاع اﻷرض. إن الموقف السعودي اﻷخير، ما هو إﻻ صحوة ضمير إنساني، وقرع لجرس تغيير منتظر، الذي وإن كان بعيدا، لكنه آت ولو بعد حين، ليؤكد ريادة بلدنا وثقلها على مستوى العالم، ويعيد تأكيد ديمومة فشل الكبار الخمس في تأكيد وتأصيل مفاهيم الديموقراطية. نعم.. سجل التاريخ نجاحا سعوديا باهرا في نقاء الرسالة ووضوح الرؤية وسلامة القصد والمنهج، فيما الكبار الخمس، وبمعايير اﻷخلاق والضمير والعدل والمساواة، لم ينجح أحد.