×
محافظة المنطقة الشرقية

صرف مكافآت جامعة الملك سعود للطلاب المنتظمين الاثنين المقبل

صورة الخبر

كلمات الملك عبدالله بن عبدالعزيز التي حملت العتاب المباشر لبعض المشايخ في استقباله لهم في العيد لم تأت من فراغ. هذه هي المرة الأولى التي أشاهد فيها ملك المملكة يعاتب رجال الدين علناً وعلى رؤوس الأشهاد. لكن لهذا العتاب من وجهة نظري ما يبرره. دعونا نحصر الموضوع في هيئة كبار العلماء، وهي جهاز حكومي له ما له وعليه ما عليه، ومنوط به على وجه العموم، ومن بين المهمات الأخرى الأخذ في زمام المبادرة في التصدي لما يحاك ضد هذا الوطن باسم الدين. وليكن معلوماً وبعيداً عن المزايدة أنه لولا حبنا لهذه الهيئة وتقديرنا الكبير لأعضائها وغيرتنا على أدائهم وسمعتهم لما انتقدناهم. لكن هذه الهيئة فعلاً وكما أشار الملك بطيئة في قراراتها، ثقيلة في تحركها، وحتى عندما تتحدث فبيانها يشوبه بعض الغموض. لكن لا يفترض أن نستغرب ذلك عند النظر إلى بعض الأعضاء الحاليين وتنوع اهتماماتهم. الذي يدعو إلى الغرابة هو بقاء هذا التشكيل لهذه الفترة الطويلة من دون تجديد، على رغم قرارات الإضافة من وقت إلى آخر، وكان آخرها في مطلع هذا العام. أقول ذلك لأن بلادنا ولله الحمد وليس انتقاصاً من علم الموجودين حالياً في الجهاز، تزخر بالعلماء والدعاة الشباب ممن تنوعوا في العلم والثقافة، وبرز منهم الكثيرون أخيراً ممن أثبتوا حصافة الموقف، ووضوح الرؤية والقراءة الصحيحة لما يجري في هذا العصر من سلوكيات ظاهرها يرتدي ثوب الدين، وباطنها مع الأسف يتمنى سقوط الكيان برمته. يفترض ألا نستغرب بطء الحركة في الهيئة، إذ وعلى مستوى العمل والمهنية فقط نجد عدداً من أعضاء هذه الهيئة هم أعضاء أيضاً في عشرات المؤسسات المصرفية والمالية وشركات التأمين بغرض مراجعة وتوثيق تعامل هذه المؤسسات على الطريقة الإسلامية. بل إن أحدهم أصبح عضواً في أكثر من 70 مؤسسة في المملكة وحول العالم، تدر عليه شهرياً ملايين الريالات كرسوم عضوية وبدلات جلسات «عمل» أقول شهرياً وليس سنوياً، واللهم لا حسد. مثل هؤلاء كيف لهم أن يركزوا على أجندة هيئة كبار العلماء وحساسية مواضيعها وهم بالكاد يستطيعون تلبية حضور اجتماعات تلك المؤسسات؟ وقبل ذلك هل يجيز النظام أصلاً هذا الخلط في المهمات وهذا التقاطع الواضح في المصالح؟ ومن مصادر لومنا أيضاً وهو عتاب المحب، أن بعض أعضاء هذه الهيئة أحياناً يغرد خارج السرب. الهيئة كما نعلم جهاز حكومي يفترض أن يدعم قرارات الدولة، ويشد من عضدها وقوتها وتطبيقها، ويتصدى لمن يسعى لإثارة البلبلة والشك حول هذه القرارات. هنا أشير إلى بعض الفتاوى التي ربما تعترض على أنظمة الدولة والأوامر الملكية. أذكر أن أحد أعضاء الهيئة ممن يجيب على أسئلة المشاهدين في إحدى القنوات التلفزيونية لم يجز عمل المرأة كبائعة في المتاجر على رغم وضع ذلك كنظام، وصدر به أمر ملكي صريح قبل الفتوى إياها بأشهر عدة. هنا لا يوجد إلا احتمالين لهذا اللبس. فإما أن الشيخ لم يعلم عن الأمر الملكي وأهمية خلق الوظائف وحفظ الأموال وتقليل الاعتماد على الأجانب، أو أنه يعترض على الملك وأوامره، وفي الحالتين لدينا مشكلة. أما الكسل الذي تحدث عنه خادم الحرمين الشريفين فأظن بأنه يتمحور حول حضور المشايخ وتعليقاتهم التي يفترض أن تواكب ما يجري في الساحة من تحزب وعنف وفتن وإقصاء وتخوين. لو استثنينا فضيلة الشيخ صالح الفوزان وهو العضو البارز والأكثر حضوراً وصدعاً بالحق، فبالكاد تجد من الأعضاء الآخرين من يبادر وبشكل مستمر في التحدث. والعادة المتبعة في التعليق لدينا أصبحت مع الأسف تتمحور بوجود السائل، إذ عندما لا يوجد سؤال فإنك لن تسمع شيء. الذي أتمناه ويتمناه غيري من المواطنين وفي هذا العصر تحديداً هو ألا تتحول هيئة كبار العلماء في المملكة إلى عبء ثقيل على الوطن وتنميته ومستقبله. نتمنى أن تتم إعادة تشكيل هذه الهيئة، وإعادة صياغة نظامها بما يكسبها نوعاً من الديناميكية والنشاط. فمستويات العلم والثقافة والتمرس والإطلاع على تعقيدات العصر الذي نعيش به أصبحت تعتبر من الضروريات المهمة جداً لتحديد العضو المرشح. الأمر الآخر تطعيم الهيئة بعلماء يوثق بعلمهم ووطنيتهم من المذاهب والتفرعات الأخرى السنية مثل المالكية والشافعية والحنفية، إضافة بالطبع إلى الحنبلية وكذا المذاهب الشيعية المتنوعة، ذلك لأن المملكة لم تعد مجرد مدينة واحدة أو ضاحية بل قارة كبيرة تضم الكثير من المذاهب الإسلامية، ووحدة هذه البلاد تتطلب لم الشمل وليس السعي نحو الفرقة. إضافة إلى التنوع في المذاهب يجب تزويد الهيئة بالمراجع والمصادر العالمية للتشريع، وأن ترعى الهيئة مركزاً مرموقاً ومعتبراً للبحوث والإفتاء على غرار ما هو موجود في الأزهر بمصر. مثل هذا التميز في العمل لم يعد مجرد ترف ومظاهر بل ضرورة ملحة لاستدراك الأبعاد العميقة للفتاوى التي تصدر من الرئاسة العامة للإفتاء في المملكة، والتي تضم عدداً من أعضاء هيئة كبار العلماء. وعلى مستوى التربية والتعليم نحتاج من الهيئة عدم التردد في دعم الجهود لإفشاء المشاعر الوطنية والتحدث عن الوطن بصراحة، والوقوف بقوة مع كل ما من شأنه غرس حب هذا الكيان في عقول النشء. فبينما يتربص البعض للنيل من هذه المهمة، ويعترضون علناً على فرض تأدية النشيد الوطني صباح كل يوم في المدارس نجد الصمت المطبق حول هذا الاعتراض الذي يفترض تجريمه من الكثير من مشايخنا، وكأن ذلك الاعتراض في مكانه. ليس ذلك وحسب، بل إن المشايخ أنفسهم لا يقفون تحية للنشيد الوطني، ولا يعيرون ذلك أي اهتمام، وكأن الوقوف لتحية العلم والنشيد يعتبر كفراً أو شركاً. مطلوب من الهيئة دعم وزارة التربية والتعليم في تشجيع التعليم على تطوير المواد العلمية التطبيقية والفلسفة والعلوم الإنسانية، وضمها للمناهج من دون الالتفات إلى من لا هم لهم إلا زيارة الوزراء والمسؤولين في مزايدات باهتة أضرتنا كثيراً. الحاجة إلى الرفع من مستويات المتخرجين النوعية، وتهيئتهم لقبول التحديات الحاضرة والمستقبلية بعلم وبصيرة واضحة ضرورة تفرضها تحديات المكان والزمان. أخيراً وليس آخراً وعلى المستوى الإعلامي أعتقد أيضاً أن الهيئة بحاجة إلى متحدث رسمي يعبّر بشكل دوري عن رأي الهيئة في ما يحدث من مستجدات، سواء أكانت في الداخل أم في الخارج، فالإعلام والعلاقات العامة اليوم ضرورة لا يمكن تجاهلها. هذا ليس إلا مروراً سريعاً على ملاحظات عابرة والمطلوب من هذه الهيئة أكثر بكثير. دعواتي أن يوفق الله بلادنا بهيئة علماء تواكب حاجة ومتطلبات العصر، وأن يهدينا سبحانه وتعالى إلى المزيد من الألفة والمحبة، ليسمو الحب للوطن فوق كل الاعتبارات الأخرى، وأن نبادر سريعاً إلى تذويب كل ما قد يبدو وكأنه نقاط خلاف بين ما تقوم به الدولة وما يراه البعض من إخواننا المشايخ من المحظورات.