×
محافظة المنطقة الشرقية

المهنا: مشغولات الذهب تعتمد على «الفن اليدوي» والمصنعية تفتح باب التلاعب

صورة الخبر

قبل الوصول إلى الحاضر سنمكث قليلاً في فناء الماضي ونحتفظ بالزمن ونعيد قراءته. ونكتب نصاً خالياً من الزينة والزخرفة، ونبني كما يبني المهندس المعماري صرحاً من الحقب الزمنية ونوزع المداخل والمخارج حسب العلامات الضوئية. إن العالم يدرك أن الإنسان والطبيعة في اغتراب، ومع ذلك فالإنسان لا يكف عن التنازل عن رغباته مقابل البحث عن عوامل أخرى، تتيح له تصورات غير قابله للإشباع، تسمح له بالسفر الدائم رغم إرادة الزمن. فلا يمكن أن يشرّع العصر نحو صراع يتم تفسيره دفاعاً شاملاً عن ضعف الفكرة التي يخوضها المرء مع نفسه، أو يشكل تهديداً للذات الإنسانية، أو يكون من وجهة نظره معياراً يدعم نظرية تتنبأ بانحرافات كبيرة لكل ما هو قادم، فيصعب من خلاله الاختيار، وتبقى العلاقة قائمة بين القابلية للرفض والقابلية للاختيار، وبناء عالم مشترك بينهما. فكلما اغترب الفرد في زمنه اغترب عن ذاته، وفشل في تنمية الإمكانات. وصرح "روسو" (أن الإنسان لم يصبح كائناً اجتماعياً إلا عندما أصبح مسالماً، أي عندما سن قوانين وتشريعات، وبدأ الناس يحتكمون إلى نفس العقد الاجتماعي الذي يربط بينهم). وفي الحقيقة لم يعالج روسو الإشكال الزمني ولم يستنتج مفاهيم أخرى تتغير سلفاً بمعية الإنسان ففي القرون الوسطى كانت أوروبا تعكف على معالجة المشاكل اللاهوتية والعقيدة ودمج العلم بالعلمانية، وانشغلت قروناً في تطهير العقول من الشوائب، إلى أن تتابعت القرون، وأصبحت أكثر إشراقاً بعد الثورات، وطهرت علوم مختلفة ومميزة لعدة فلاسفة ألمان وفرنسيين، حاول معظمهم تنوير الظلام الحالك آنذاك وكتابة الرسائل للناس، فكان روسو يشكل أهمية بين القديم وعصره، وكتب كثيراً حول تنظيم المجتمعات وتأهيل مداركهم ليقضي على الاغتراب والعنف الذي واجه مسيرتهم في الحياة وأراد التواجد في كل العصور بكتبه ورسائله، وكأني به يقول انتهت حالات الاغتراب الذي لازم الأمم نتيجة سلب وعيهم. بيد أنه إذا أمكن اكتشاف المواقف الزمنية والقضايا التي تحيط بها، ظهرت نتائج فورية تفيد أن الزمن لازال كما كان لم يتطور، إذا حكمنا على الناس من حيث المفاهيم، والعنف القديم المستشري في أجسادهم، والمتمركز في خلايا عقولهم، ومن مصلحة هذا التحقيق مشاهدة أمثلة حية في عصر تخطى روسو كثيراً، عندما قال: لقد أصبح الإنسان مسالماً كونه أصبح كائناً اجتماعياً، إن المعجم الذي ترجم أعمالك، لا يحمل نفس الكلمات ولا المعاني في هذا القرن، بل أعقبه كيانات قومية تنص على سيادة سياسية منفصلة، جعلت العالم محكوماً بصراع دائم، يتعارض مع الانتماء والولاء. إن التعارض بين الناس والمستجدات ليس له أساس قائم على الجهل، وإنما هو الكائن الآلي الذي يهدد طبيعة الإنسان، ويقوده إلى مشروع فاشل، لا يستطيع إثبات المعاصرة وانعكاسها السلبي، ولم يصحح العلاقة بينه وبين الحاضر وبالتحديد في العالم الثالث. فالآلة أجنبية وغربية والروابط بينها وبين الإنسان الكوني رابطة قوية، باستثناء فرد من العالم الثالث يجد نفسه مسلوب الرغبة والإرادة في تحقيق موازنة بيئية وطبيعية سليمة، فماذا يعني العلم اليوم، في ظل العنف والمؤامرة والاغتيالات ؟ وما هي الحضارة التي لا تجرّم انتهاك الحقوق؟ لقد مكثنا طويلاً في حضرة الماضي، وحان ترجيح صلة الإنسان بالزمان وتحرير ذاته من تبعية كلفته خسائر فادحة، لأن الأسوار والحواجز المحيطة به غير كافية، ما جعل القفز عليها ممكنا ومتاحاً، فالتجربة لم تكن ناجحة، ومقتضيات الحقيقة تتطلب مسؤولية غير متشائمة، لكي تتضاءل نسبة الاغتراب، فالمبرر غير كاف لأنه محكوم بالصراع الدائم تحت الإجراءات السياسية الخارجية التي قمعت الآمال والأمان النفسي وحققت تواصلاً كونياً مشبوهاً.