لا شيء في هذه الدنيا يعوض فقدان طفل أحد أو كلا والديه، فكلاهما مكمل للآخر، فكما أن دور الأم من الناحية التربوية والعاطفية مهم، إلا أن دور الأب فاعل ومؤثر في شخصية الطفل، من الناحية الوجدانية، وبفقدان الأب يصبح حينها قلب الطفل خاويا من المشاعر الدافئة، تائها في هذه الدنيا، دون يد ترعاه ولا سند يحميه. إن احتضان وكفالة الأطفال اليتامى والاهتمام بهم، له الأثر الإيجابي على حياة المكفول من الضياع والانحراف. فالرسول -صلى الله عليه وسلم- حض على كفالة اليتيم وأمر بوجوب رعايتهم، كما جاء في الحديث الشريف عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة، وأشار بالسبابة والوسطى، وفرق بينهما قليلاً»، هذا وعد من الصادق الأمين بمرافقته بالجنة لكل من كفل وأحسن لليتيم واهتم بشئونه، وما أعلاها من منزلة فضيلة تلك التي تدعو كل مسلم للتسابق لنيل هذا الشرف بمرافقة خاتم النبيين وسيد المرسلين. لقد كسر قلبي صوت الطفل الباكي: آه يا بابا! منادياً أباه في قبره؛ ليذود عنه من هذا المجرم الذي تسلط عليه بالضرب المبرح، لمجرد أنه فتح باب الثلاجة، رغبت أن أستمع وأشاهد بقية ما يحتويه اليوتوب المسرب من دار أيتام "مكة المكرمة لرعاية الأيتام" بمصر، إلا أنني لم أستطع إكمال المشاهدة من هول ما رأيت من فظائع، ووحشية في التعذيب والتنكيل بأطفال لم يبلغ كبيرهم اثني عشر ربيعا، تمت للأسف على يد رئيس مجلس إدارتها ومن يفترض أن تقع على عاتقه مسئولية حماية ورعاية أولئك البراعم مكسوري الجناح، الذين فقدوا آباءهم، ولم يتبق لهم سوى مناجاة ربهم ليرحمهم من بطش أهل الأرض. لا أعلم ما هو المسوق لجعل شخص غير مؤهل بأن يبادر، من طوع نفسه، باحتضان ورعاية أفراد ذوي احتياجات خاصة، بافتتاحه دارا لرعاية الأيتام، هل كانت المادة تقف خلف هذا المشروع النبيل؟ أم الشهرة؟ أم أنها فرصة يريد من خلالها إطلاق العنان لشيطانه برؤيته يتلذذ في إهانة ومسح كرامة أولئك اليتامى. إن على وزارة التضامن الاجتماعي أو وزارة الأوقاف أو من تقع تحت نطاق وزارتهم مسئولية إدارة شئون الأيتام ورعايتهم، بتحمل المسئولية الأخلاقية والإنسانية كاملة، والعمل على سد جميع الثغرات القانونية والإدارية؛ للحفاظ على كرامة اليتيم وتوفير حياة كريمة شاملة جميع الخدمات الطبية والنفسية والاجتماعية والمهنية من قبل مختصين مؤهلين، مشهود لهم بالنزاهة، بدلاً من الارتجال والعشوائية من أشخاص لا يدركون طبيعة ولا سمو المسئولية الملقاة على عاتقهم. كما يجب على الوزارة تكثيف الرقابة الدورية، والحرص على استقلالية إدارة الجمعيات والمؤسسات الخيرية: كدور الأيتام، وكبار السن، والتأكد من تطبيقها كافة الإجراءات والتدابير الإدارية والفنية حسب المعايير المعمول بها في هذا المجال؛ لدرء كل من تسول له نفسه استخدام العمل الخيري والتطوعي كستار وذريعة؛ لتحقيق أغراض ومصالح ذاتية أو فردية.