أثار كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية ضجة فيما قيل إنه تنبأ بزوال إسرائيل خلال عشرة أعوام من تاريخ 2012م، وراجت خلفه تعليقات وتحليلات ونفي وإثبات، ولأن الإنسان بطبيعته ميال لمثل هذه الحوادث، لا نستطيع الجزم أو الشك بمثل هذه الأفكار غير أن استنتاجات بنيت على العديد من التوقعات من قبل أمريكيين متعاطفين مع إسرائيل، وبعض من يحملون جنسيتها، حشدوا علماء مستقبليات فيما سيجري من تحولات في المنطقة خرجوا بآراء أن ما بعد الثورات العربية الحديثة إلى جانب ضعف الأمان في الداخل الإسرائيلي، ضاعف أعداد المهاجرين، وقلص أعداد العائدين إليها، وأن أسباباً أخرى مثل ولادة جيل يرفض الحروب، ولا يؤمن بتحويل إسرائيل إلى ثكنة عسكرية تعلن فيها حالات الطوارئ في كل مناسبة أدى إلى ضعف الانتماء لوطن خاص بهم.. الفرضيات الأخرى أن تزايد السكان العرب حتى من اليهود والتوسع بالمستوطنات وصغر الرقعة الجغرافية والسكانية، واعتماد سياسة الفصل العنصري، وعدم الولاء من قبل يهود الخارج بالصهيونية والعودة لأرض الميعاد، والتزاوج مع أجناس وأصحاب ديانات أخرى داخل التجمعات الأكبر في أمريكا وأوروبا، والسعي لاكتساب جنسية البلد الأصلي غير إسرائيل، جعل من يحللون مستقبلها لا يرون فيها نمط العيش المثالي أو البقاء الدائم، وهذا لم يصدر عن رؤى عربية أو إسلامية، ولكنها دراسات تعتبر إلى حد كبير محايدة وموضوعية من عناصر هي أقرب إليها.. مثار الشك الأكبر جاء بأن ما يمر بالمنطقة من حروب داخلية واحتمال زوال دول وتشكيل أخرى غيّر مفهوم الاستراتيجيات التي خططت لها إسرائيل مع دول مؤيدة لها إذ إن إحاطتها بدول إسلامية، أو تشكيلات تنتهج الاستشهاد والعنف ورفض مبدأ السلام باستعادة الأرض المحتلة، وتنامي هذا الشعور عند مليار وثلاثمائة مليون مسلم وانتشار وعي عالمي جديد صنّف إسرائيل بدولة عنصرية معتدية حتى داخل أوروبا وأمريكا، ونمو شعور مختلف عند دافع الضرائب التي تذهب إلى إسرائيل، وقراءات مراكز البحوث السياسية والاقتصادية أن أمريكا لم تعد في الميدان العالمي وحدها أمام بروز قوى أخرى، والذهاب لما هو أبعد من ذلك، بأن عصر المغامرات العسكرية في بيئة عداء متنامية للغرب وأمريكا معاً ويضاف لهما إسرائيل، لا تحتمل العودة للسياسات القديمة، وأن من بين من رأوا حتمية تقلص نفوذ إسرائيل أو الاعتماد عليها في استراتيجيات المستقبل أعطى مؤشرات جديدة عند صانعي القرارات في المنطقة الغربية، أصبح لديهم قناعات بعدم ديمومة إسرائيل.. قد تكون هذه التصورات مغرية لنا ونفترض أنها حتميات، لكن ماذا لو خرج من ساسة إسرائيل من وضع هذه التقديرات مكان الواقع القادم، وباشروا بتنازلات وبقبول المشروع العربي للسلام، وبوشر بقنوات حوارات واتصالات وشروط جديدة، لكن مع الإبقاء على قوة إسرائيل النووية حتى يتقرر السلام بشكل عملي، فهل يمكن أمام متطرفي الاتجاهين الوصول إلى نتائج يخطط لها الساسة، وترفضها عناصر عربية وإسلامية من جهة، وإسرائيلية من جهة أخرى؟ الاحتمالات مطروحة والتنبؤات والتخرصات القائمة على تحليل الجغرافيا السياسية والاقتصادية محرك أساسي في تغيير مسارات الخطط والأفكار، لكن ذلك محكوم بإغلاق مبدأ الصراع التاريخي الذي ولدَّ العداوات وكان سبباً في حروبها ثم إزالتها في بناء سلام محتمل دائم..