في مقال سابق بعنوان (المحامي والمعقب والقضاء) شرحنا جزءا من الواقع الذي نتطلع كمحامين إلى تغييره في ضمير ووجدان القاضي والقضاء تجاه المحامي ورجل القانون، إذ إن الأغلب مع تغيير ملموس هو النظرة السلبية والشك والريبة وعدم الترحاب وخاصة في قضايا الأحوال الشخصية والجنائية. وهذه النظرة العامة من القضاء التي تزداد أمام القضاء الجنائي فإنه يأتي امتدادا لواقع آخر من قبل أجهزة الضبط الجنائي، وهي بالمناسبة كما جاءت في نظام الإجراءات الجزائية كل من أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام ثم مديري الشرط ومعاونيهم في المدن والمحافظات والمراكز، والضباط في جميع القطاعات العسكرية في الجرائم التي تقع ضمن اختصاص كل منهم، ومحافظي المحافظات ورؤساء المراكز، ورؤساء المراكب السعودية البحرية والجوية في الجرائم التي ترتكب على متنها، ورؤساء مراكز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرهم من الموظفين والأشخاص الذين خولوا صلاحيات الضبط الجنائي بموجب أنظمة خاصة. وأهم القضايا الجنائية هي الرشوة والتزوير وغسل الأموال وتجارة المخدرات والدعارة والقتل والسرقة والاختلاس من المال العام، ومن الجرائم الكبرى الموجبة للإيقاف الفوري هي جرائم الحدود المعاقب عليها بالقتل أو القطع، جرائم قتل العمد، أو شبه العمد، جرائم الإرهاب وتمويله والجرائم المخلة بالأمن الوطني، الأفعال المنصوص عليها في المادة (118) المعدلة من نظام الأوراق التجارية، واختلاس الأموال، وقضايا الاحتيال المالي، والقوادة، أو إعداد أماكن للدعارة، صنع أو ترويج المسكرات، أو تهريبها، أو حيازتها بقصد الترويج، استعمال، أو إشهار السلاح الناري بقصد الاعتداء أو التهديد به، جرائم الابتزاز، وانتهاك الأعراض بالتصوير، أو النشر، أو التهديد بالنشر، وأمام قلة عدد رجال الضبط والتحقيق، ولعدم وجود مقار لائقة وكافية، ولعدم توفر العدد الكافي من المحققين وأعوانهم فإن النظرة السلبية العامة للمجتمع بشكل عام تجاه المحامي التي نرى واقعها أمام القضاء فهي أيضا منعكسة في الأجهزة الأمنية والحقوقية فعبارة المساواة بين الخصوم لإظهار الحياد كلمة حق يراد بها غير مرادها تؤكد على النظرة السلبية لأن الأساس هو المحامي وليس غيره في متابعة ومراجعة الأعمال والقضايا أثناء مرحلة القبض والتحقيق، ولعدم رغبتهم في ذلك يتم الادعاء بالمساواة بين الأطراف وفي حقيقته إبعاد المحامي عن دوره الأساسي كشريك أساسي في العمل الحقوقي والعدلي والجنائي خاصة أنه الطرف الثابت في تلك العملية التي تبدأ بالضبط ثم التحقيق فالمحاكمة فالاستئناف فالتنفيذ، ولكل مرحلة جهاز منفصل والمستمر الوحيد هو المحامي الذي يستطيع أن يتأكد من صحة إجراءات الضبط والتحقيق والمحاكمة العادلة ونفاذ الأحكام بعد استخدام الحق الأمثل في الاستئناف، ومرة أخرى نؤكد أن النظرة الإيجابية والتعامل الدبلوماسي للقيادات لا يعكس المطبق على أرض الواقع أساسه ضعف الإمكانيات وعدم ملاءمة المباني والتجهيزات وضعف التأهيل الحقوقي وسطحية وانعدام برامج التدريب النوعي، أي أن مناخ وبيئة العمل غير صالحة لعمل مثالي في حده الأدنى على أقل تقدير وهذا لدى الأمن العام والجوازات والسجون والدفاع المدني وهيئتي التحقيق والادعاء العام والرقابة والتحقيق وجميع المؤسسات الحكومية التي لها حق الضبط المنصوص عليه في نظام الإجراءات الجزائية.. وكل الأمل هو في تعديل هذا المناخ في إطار مشروع الملك حفظه الله لتطوير مرفق القضاء وديوان المظالم.