مكة ساكنة القلوب أحمد صالح حلبي تبدو مكة المكرمة بعطرها الساحر على اللسان كلما ذكرت فسكنها داخل قلوب ملايين المسلمين وحيدة دون منافسة تجعل من مكانتها علوا ومن هوائها عطرا للجسد. فهي وان كانت قبلة المسلمين وعلى أرضها الطاهرة بيت الله الحرام ومن أرضها شعت رسالة الحق وانبعث خاتم الرسل والأنبياء محمد ابن عبدالله صلى الله عليه وسلم فان لها من الأسماء مالا يحصى ومن الأدوار مالا يعد منذ أن برزت قبل أكثر من 2000 عام قبل الميلاد ـ كما يقول المؤرخون ـ كقرية صغيرة في واد غير ذي زرع محاطة بالجبال من جوانبها الأربع فبعد أن ترك الخليل إبراهيم عليه السلام زوجته هاجر وابنه إسماعيل بواديها الجاف يوم لم يكن بمكة أنيس أو جليس قال تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ). فاستجاب الحق تبارك وتعالى لدعوة خليله إبراهيم وشهدت مكة توافد أولى القبائل وهي قبيلة جرهم وهي قبيلة يمنية قديمة من حمير وقيل من العماليق . وقد عُرفت مكة عبر العصور المختلفة بالكثير من الأسماء ووصفت بالعديد من الصفات فسميت مكة في أكثر من موضع في القرآن ففي سورة الفتح قال تعالى : وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا. ويقال أنها سميت مكة لأنها تمكّ الجبارين أي تذهب نخوتهم وقيل أنها سميت مكة لازدحام الناس فيها وعرفت باسم مكة لأن العرب في الجاهلية كانت تقول بأنه لا يتم حجهم حتى يأتوا الكعبة فيمكون فيها أي يصفّون صفير المكأو وهو طائر يسكن الحدائق ويصفقون بأيديهم إذا طافوا حولها. وقيل أنها سميت بكة لأنه لا يفجر أحد بها أو يعتدي على حرماتها إلا وبكت عنقه قال تعالى في سورة آل عمران : إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ، وسميت بأم القرى أيضا وهو ما ورد في قول الحق تبارك وتعالى في سورة الأنعام وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا كما سميت البلد الأمين قال تعالى في سورة التين ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ) . ويقال أنها سُميت مكة لأنها كانت مزاراً مقدساً يؤمه الناس من كل الأنحاء للتعبد فيه ، أما كلمة بك فتعني في اللغة السامية الوادي، وقد ورد في بعض الكتابات القديمة مدينة تسمى مكربة، وذهب الباحثون إلى أن هذه المدينة هي مكة . وان كانت قبيلة جرهم هي أول من سكن مكة حتى نهاية القرن الثالث الميلادي حينما استطاعة قبيلة خزاعة السيطرة عليها وتولي أمرها وطرد قبيلة جرهم منها واستمر الأمر لخزاعة في مكة ما يقارب ثلاثمائة سنة ويعتبر عمرو بن لحي سيد خزاعة أول من عبد الأوثان في شبه الجزيرة العربية وغيّر عبادة الله التي دعا اليها الخليل إبراهيم عليه السلام . وان كان الأمر في مكة لم يبق لجرهم فانه لم يبق لخزاعة أيضا إذ انتقل إلى قريش التي أمرها قصي بن كلاب الجد الرابع للرسول صلى الله عليه وسلم وقام ببناء دار الندوة التي كان رحالات قريش يجتمعون فيها ويعد قصي بن كلاب أول من وضع تنظيمات الحج وخدمات الحجاج إذ عمد قبل وفاته إلى تقسيم أمور الحرم على أولاده الأربع، فكانت سقاية البيت والرفادة والقيادة من نصيب ولده عبد مناف بن قصي وبعد وفاته تولى قيادة قريش ابنه هاشم بن عبد مناف، وبعد وفاته تولى القيادة وسقاية الحرم عبد المطلب بن هاشم وفي عهده قام أبرهة ملك اليمن ببناء كنيسة القليس ليجعل الناس يحجون إليها الناس بدلا من حجهم للكعبة المشرفة. وحينما لم يجد إقبالاً على كنيسته خرج بجيشه ليدمر الكعبة ويجبر العرب للحج إلى كنيسته فامتضاء الفيلة التي رفضت التقدم نحو الكعبة حينما وصل إلى مكة وقد أرسل الله طيوراً أبابيل تحمل معها حجارة من سجيل فدمرت أبرهة وجيشه وسُمي ذلك العام بعام الفيل وهو العام الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم . -------------------- مقالات سابقة http://www.makkahnews.net/articles.p...articlesid=31