بحثتُ عن أصل الفعل «بادرَ» في كل المعاجم، فوجدته اسرع.. هلم! وبادر مبادرة وبدارًا، أي أسرع، وبادر للأمر أسرع، وعاجل وعالج.. والبدار الإسراع، وعدم المماطلة! وفي حالة غزة يزداد الأمر جلاءً ووضوحًا على كل المستويات، بما فيها المستوى اللغوي في لغة الضاد، التي يسعى البعض لتحويلها للغات أخرى.. والمعروف أن اللغة كيان، بل وكائن حي! ولقد كان يمكن تحمّل الانتظار، أو التفسير، أو التبرير، أو حتى التحوير في معنى المبادرة لولا أن القصف مستمر، والذبح مستمر، والدم مستمر حتى فاضت به الشوارع، والمزارع، بل والمساجد والمدارس أيضًا. نعم كان يمكن التحوير والتبرير برفض هذا الجانب، وموافقة ذاك لولا أن الجانبين غير متكافئين، ولولا أن جانبًا منهما -لمن لم يعلم- فلسطيني.. وفلسطين بالمناسبة دولة عربية عضو في الجامعة العربية.. ودولة إسلامية عضو في منظمة التعاون الإسلامي.. وبالإضافة إلى ذلك لمن نسي أيضًا أنها تضم المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله.. وهناك في القرآن الذي هو قرآننا، وفي الإسلام الذي هو إسلامنا قصة للإسراء والمعراج!! نعم.. لقد وصل بنا الحال إلى حد التذكير بعروبة القضية، وبإسلامية القضية، وبإنسانية القضية، وبعدالة القضية التي بدأ الغرب يتعرّف عليها، ويقتنع بعدالتها، وبدأ نفر «كبير» من العرب والمسلمين لا يعتقد بعدالتها، بل يعتقد بأحقية إسرائيل في الضرب، والقصف، والذبح؛ حتى ولو كان معظم الضحايا أطفالاً ونساءً، وحتى لو كان الهدم لبيوت الله! أخطر ما في هذه الأيام، والساعات السوداء التي تعيشها القضية -ولا أقول الأمة حتى لا يغضب البعض- أن السباق مازال محتدمًا، ليس على وقف الذبح، وأنهار الدم، وإنما على نجاح المبادرات! أخطر ما في الأمر أن التباهي بنجاح هذه المبادرة أو تلك أصبح هو شعار المرحلة، بات البعض يستعد للنجاح، نجاح المبادرة، ويتأهب لإعلانه بزهو وفخر، رغم أن كل القيم المماثلة ماتت.. وشبعت موتًا منذ ذبح الأطفال والنساء، وهدم البيوت، والمساجد! أي زهو سيشعر به العالم كله -بما فيه الأمم المتحدة- بعد أن تجاوز رقم الضحايا في رمضان، وفي العيد، وحتى الآن خانة الألف؟! أيّ فخر سيشعر به حتى مجلس الأمن لو أنه صحا، وسيشعر به كيري لو أنه انتشى، بعد أن فاضت المستشفيات بجثث الضحايا، وغمرت الدماء كل الشوارع؟! في المقابل، أي عار سيلحق بالعالم الحر الذي وقف يتفرج باستمتاع، على كل صنوف القهر التي تمارس في غزة؟! أي عار سيلحق بمنظمات حقوق الإنسان، ومنظمات الحق المدني، ومنظمات الحوار بعد أن أصبح الدمار شعارًا؟! من سوء حظ إسرائيل ومناصريها في كل مكان أن الفلسطينيين في غزة ليسوا فئرانًا حتى يتم حرقهم في ليلة واحدة! وحتى لا تغضب الفئران العربية.. نقول ليسوا خرفانًا حتى يتم الخلاص منهم في يوم وليلة.. الحسبة خاطئة.. الحسبة خاطئة!! رهان إسرائيل على الخلاص من المقاومين للظلم والقهر في غزة، وفي كل مكان رهان خاسر؛ لأن هناك واحدًا أحدًا اسمه الحق! ورهانها حتى على التخلّص من سلاح المدافعين عن بيوتهم، وأراضيهم، وحريتهم على أساس أن ذلك هو الصواب رهان خاسر؛ لأن هناك كذلك واحدًا أحدًا اسمه العادل، الذي لا يغفل ولا ينام. احسبوها من جديد! أعيدوا حساباتكم بعد كل ما جرى وكان، ورغم كل ما جرى وكان.. راجعوا حساباتكم من جديد.. والأفضل أن تتركوا أطفال غزة يحسبونها لكم! sherif.kandil@al-madina.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (41) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain