يلتئم الكونجرس الأمريكى بمجلسيه الشيوخ والنواب اليوم الاثنين لمباشرة أعماله الاعتيادية، ومن المرجح أن يصل إلى طرح ومناقشة صيغة تفويضية للرئيس الأمريكي باراك أوباما للقيام بضربة عسكرية ضد النظام السوري، لاسيما أن زعماء الحزب الجمهوري أعربوا عن تأييدهم لضربة عسكرية على سورية. الصيغة القانونية السارية تمنح الرئيس فرصة زمنية لا تتجاوز 60 يوما للقيام بعمل عسكري دون اللجوء لطلب موافقة الكونجرس، وربما يجري التمديد لها 30 يوما إضافيا في هذا الحال. الفارق الجوهري بين الراهن والمرجو هو عدم تفويض إرسال أو انخراط قوات برية أميركية في الصراع. وتزيد الضغوط التي يشكلها الشعب الأمريكي على الرئيس أوباما بعدم التورط في حرب جديدة، حيث أفاد مكتب النائب الجمهوري عن ولاية أريزونا، ماثيو سالمون، أنه تلقى نحو 500 مكالمة من دائرته الانتخابية بشأن سورية لم يكن سوى اثنتين منها تؤيدان شن الضربة. وقال النائب ان ظاهرة المعارضة الشاملة للعدوان "غير مبالغ بها،" لاسيما أن سالمون نفسه من بين المناوئين للعمل العسكري موضحا موقفه بالقول "لا أرى تعليلا حتميا مبررا للأمن القومي لبلادنا مطلقا .. باستثناء حفظ ماء وجه للرئيس أوباما، فإننى لا أستطيع استيعاب ما يمكننا فعله" بشن الضربة. ويذهب "سالمون" الى استشراف نتيجة توجه الكونغرس لتفويض الرئيس اوباما بأنها ستقارب صيغة التصويت الذي جرى في شهر يوليو الماضي على مشروع قرار تقدم به النائب جاستين اماش لتقويض سلطات وكالة الأمن القومي الواسعة في التجسس الداخلي، باستثناء ان يحالف الحظ قرار العمل العسكري هذه المرة، وقد "يفشل قرار التفويض بفارق 20 صوتا". تجدر الإشارة الى الضوابط الدستورية التي تتحكم بقرار شن الحرب الذي يستدعي تصويتا، إما مع أو ضد من قبل مجلس الكونغرس؛ اما مشروع قرار التفويض يمكن "تعطيل النقاش حوله، أو تأجيله، أو إعادة صياغته، أو إفشاله بالكامل". لذا فإن العامل الحاسم في هذا الصدد يعتمد على مقدار دعم الحزب الجمهوري للرئيس اوباما، الذي يبدو أن أحد أهم ركائزه هو السيناتور الجمهوري جون ماكين، الذي يواجه معارضة متنامية لتوجهاته العدوانية داخل حزبه الجمهوري عينه، مستندا الى سجله كمرشح رئاسي منافس للرئيس اوباما، 2008، وخدمته العسكرية الطويلة كطيار في سلاح البحرية الاميركية. رئيس مجلس النواب الجمهوري، جون بينر، وزعيم الأغلبية الجمهورية في المجلس، اريك كانتور، أعربا عن تأييدهما لصالح قرار التفويض، إذ صرح كانتور قائلا "لدى الولايات المتحدة مصلحة ملحة لأمنها القومي للرد ومنع استخدام أسلحة الدمار الشامل". وعلى الرغم من تناغم زعامات الحزب الجمهوري مع الرئيس اوباما، فإنه يخشى تصدع أوجه الدعم داخل صفوف حزبه الديموقراطي الذي عادة يقف صفا واحدا متراصا خلف أجندة الرئيس. وقد أعربت الممثلة عن مدينة واشنطن العاصمة، الينور هولمز نورتون، ان ما يدفعها للتصويت لصالح الرئيس هو عامل ولائها لشخص الرئيس اوباما، ليس إلا. وأردفت بالقول انه لو جاءت نتيجة التصويت لصالح قرار التفويض ستكون بدافع "عامل ولاء الديموقراطيين" لحزبهم "وعدم رغبة النواب رؤية الرئيس مهانا يجرجر عاره على المسرح السياسي القومي". يبدو أيضا بأن مشاعر القلق من التورط بحرب أخرى طغت على مواقف عدد من الممثلين، لاسيما أعضاء الحزب الديموقراطي، إذ كشفت شبكة (اي بي سي) التليفزونية الإخبارية الأمريكية معارضة عدد من أعضاء مجلس النواب عن الحزب الديموقراطي لأي عمل عسكري يستهدف سورية أثناء مكالمة هاتفية جماعية أجراها معهم الرئيس اوباما مطلع الاسبوع الماضي. ففي عام 2011 كان هناك تصويت لـ70 ممثلا عن الحزب الديموقراطي ضد قرار شن عمل عسكري أمريكي – أطلسي على ليبيا. وشهد فصل الصيف تصويت 111 مندوبا عن الحزب الديموقراطي في مجلس النواب لصالح تقليص ميزانية وكالة الأمن القومي وبرامجها التجسسية على الداخل الاميركي، مما أرسل إشارة لا تخفى عن ناظرها لمعارضة تتبلور ضد التوجهات العسكرية الاميركية. في الجانب الآخر من الطيف السياسي، الحزب الجمهوري، يواجه الرئيس اوباما ايضا معارضة لعدوانه على سورية من قبل اعضاء نافذين في الحزب الذين أوضحوا معارضتهم لتدخل اميركي في الشأن السوري؛ كما ان البعض منهم يراوده حلم دخول حلبة الانتخابات الرئاسية المقبلة فى العام 2016، من بين تلك الفئة يبرز جون بولتون السفير الامريكي السابق لدى الأمم المتحدة، الحائز على وسام الأرز اللبناني من قبل جمعية أميركية مؤيدة لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة، إذ أوضح معارضته للتدخل قائلا "بالمجمل، وبما أنني لا أرى أية فائدة تعود على استخدام القوة العسكرية في سورية ضمن هذا السياق، ولذا فسوف أصوت ضده. لا أعتقد ان الأمر يفيد المصالح الاميركية، كما لا أعتقد أنه ينبغي علينا، بالمحصلة، الانحياز لطرف ما في الأزمة السورية ". كما رفض بولتون قلق البعض من تعريض مصداقية الرئيس اوباما للخطر استنادا الى تهديده السابق بعدم تجاوز "الخط الأحمر». والمرشح السابق لمنصب نائب الرئيس عن الحزب الجمهوري بول رايان، أصدر بيانا لاذعا ضد الرئيس اوباما جاء فيه «لدى الرئيس متسع من الوقت للعمل على استرداد عافيته بعد سلسلة عثراته المخيفة في سورية. ينبغي عليه التوضيح بشكل لا يقبل الجدل ان إدخال القوات العسكرية الاميركية في الصراع سيعزز أمن الولايات المتحدة. سأصغي الى ما قد يقوله للكونغرس والشعب الامريكي». كما دخلت الحلبة المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس المثيرة للجدل، سارة بيلين، قائلة "المحصلة البيانية تشير إلى ان الأمر يتعلق بسعي الرئيس اوباما حفظ ماء وجهه بعد وعده (لخطه الأحمر) فيما يخص الاسلحة الكيميائية .. الولايات المتحدة لا تتوفر لديها مهمة محددة مقنعة ينبغي تنفيذها في سورية .. في خضم الصراع الداخلي القديم بين متشددين إسلاميين يؤمنون بالعنف وبين نظام ديكتاتوري دموي". وأوضحت بالين "إن كان غزونا للعراق ليس كافيا كعامل رادع ووضع حد لأناس شياطين بعدم استخدام أسلحة كيميائية ضد شعبهم، فلماذا علينا التفكير بأن الأمر سيكون مغايرا؟".