يكاد يكون مشهد حريق خزانات النفط في ليبيا، يختزل الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي لهذا البلد المنكوب.. ويعبر عن واقع الأمر.. ليبيا تحترق بنار الميليشيات والفوضى.. السماء تلتهم النفط دخانا وأهل البيت يتعاركون.. وما دام الليبيون في صراعاتهم ماضون فمن ينقذ ليبيا إذن. ما جرى في ليبيا منذ سقوط نظام القذافي.. أن النخبة السياسية لم تتمكن من الحفاظ على ما تبقى من الدولة إثر سقوط النظام القديم، ودخلت في صدامات سياسية دون أن تدرك خطورة الفراغ السياسي والأمني. جزء كبير من هذه الصدامات شخصي والجزء الآخر منها سياسي خاضع لأجندات خارجية، والنتيجة ضياع الدولة في هذا البلد الغني بالثروات. تفاقم هذا الفراغ يوما بعد يوم، لتملأ الميليشيات الفراغ الذي أحدثته صراعات السياسيين، وأصبحت البلاد رهينة للسلاح والجماعات غير المنتمية إلى الدولة. زاد مأساوية الوضع في ليبيا، ابتعاد المجتمع الدولي عنها «ما بعد ثورة 17 فبراير»، ليتطلع فقط إلى النفط، وبات ينظر إلى ليبيا على أنها برميل نفط في أيد كان للغرب دور كبير في صناعتها، متجاهل بقصد أو بغير قصد تنامي خطورة الميليشيات والتطرف. الأمر الذي اضطر بعض الضباط بقيادة اللواء خليفة حفتر إلى إعلان حرب الكرامة من أجل استعادة ليبيا، لكن مرة أخرى خذل المجتمع الدولي ليبيا ولم يتعامل بجدية مع حفتر. واليوم أظهرت حرائق خزانات الوقود، سلبية المجتمع الدولي، ففي حين سارع مجلس الأمن إلى إصدار القرار 1973 والذي فرض عدة عقوبات على حكومة القذافي وفرض حظرا جويا فوق ليبيا وتنظيم هجمات ضد قوات القذافي الجوية لإعاقة حركتها ومنعها من التحليق في الأجواء الليبية، نرى اليوم اليوم مجلس الأمن متفرجا أمام الحريق الشامل في ليبيا الذي يقوض الدولة الليبية بأكملها. يمكن التبرير من الناحية السياسية، مصالح الدول الغربية في ليبيا التي تقتصر على النفط، لكن في الوقت ذاته، لا يمكن أن يترك العالم ليبيا تحت سيطرة الميليشيات والتطرف.. هذا التطرف لن يقف عند حدود ليبيا، بل ربما يكون عابرا للمحيطات، فالبحر فقط هو من يفصل ليبيا عن أوروبا.. الحريق ليس في خزانات الوقود فحسب.. إنه حريق يعم ليبيا.. فمن يطفئ هذا الحريق.