يعود المسرح السعودي على استحياء مواسم الأعياد والإجازات عبر مبادرات من جهات حكومية كالأمانات، ما يطرح سؤالا حول مدى مساهمة الأجهزة الحكومية في إيجاد مسرح جاد ينهض بالدور المعطل منذ سنوات. وتحتضن منطقة الرياض طوال أيام عيد الفطر هذا العام العديد من الفعاليات والعروض المسرحية التي تنظمها أمانة منطقة الرياض ممثلة في إدارة الخدمات الاجتماعية في عدد من المسارح المنتشرة في المنطقة، إيمانا بأهمية المسرح في تشكيل الوعي والفكر لدى المتلقي، من خلال محاكاته للأحاسيس الإنسانية وبثها عبر رسائل تمثيلية تسهم في رفع مستوى الوعي في كثير من الأمور والموضوعات المختلفة التي تشغل المجتمع. وتتنوع العروض المسرحية التي تقدمها أمانة منطقة الرياض في مضامينها وأشكالها، متركزة في مجملها على الترفيه الذي يحمل قيما ورسائل توعوية تتناسب مع هذه المناسبة السعيدة التي يعيشها المواطنون والمقيمون في المنطقة. وتقدم الأمانة لأول مرة هذا العام عددا من العروض المسرحية المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، حيث يستضيف مسرح الكلية التقنية عروضا مسرحية خاصة للمكفوفين، إلى جانب عرض مسرحي خاص بالصم، يتناول واقع المجتمع وتفاعله مع معاناة الصم، وذلك على مسرح صوامع الغلال، إضافة إلى العديد من العروض الموجهة للرجال والنساء والأطفال التي تؤكد أن المسرح ظل ملازما للإنسان، ومجسدا للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية التي يعيشها، بل إنه كان مؤثرا ومشاركا في بلورة هذه الأنساق وصياغتها وبثها للمجتمع، حيث احتل المسرح مرتبة مهمة في حياة الشعوب على مر العصور والأزمنة، وكان حاضرا في كل الحضارات كمرآة تعكس ملامح المجتمع، وشكل من أشكال التعبير الثقافي. ومن هذا المنطلق، أخذ المسرحيون على عاتقهم رسالة المسرح في التأثير والتأثر، حتى إن كثيرا من دول العالم المتقدم صنفت المسرح كجهاز تربوي مثله مثل سائر الأجهزة التربوية كالمدارس والمعاهد والجامعات. واستخدم المسرح منذ القدم كأداة تعليمية وتربوية في المدارس، كان لها الأثر الفعال في تنمية ثقافة النشء وتطوير مهاراتهم وقدراتهم، وإيصال القيم التربوية لهم، ومساعدتهم في فهم واستيعاب مناهج التعليم. وتعددت الأنماط والأشكال التي استخدمت في مسرح الطفل، واعتمدت في مجملها على المحاكاة من خلال استخدام الدمى وخيال الظل، والمؤثرات الصوتية والتقنية والفنية التي تحفز الخيال لدى الطفل، كما أضحت الكليات والمعاهد والجامعات، مركزا لعرض الكثير من المسرحيات التي تعنى بهموم الطلبة وقضاياهم المختلفة، إيمانا من القائمين على هذه المؤسسات العلمية بأهمية المسرح ودوره في التوعية. المسرح التاريخي حاضر بقوة في مهرجان «سوق عكاظ». «واس» مسرحية مخصصة لفئة الصم. وللحديث حول المسرح ودوره في التوعية بثت وكالة الأنباء السعودية تقريرا للمحرر حمد البقمي التقى خلاله عددا من المسؤولين والمهتمين بالشأن المسرحي في المملكة، حيث أشار المهندس إبراهيم الهويمل مدير عام إدارة الخدمات الاجتماعية في أمانة منطقة الرياض إلى أن الأمانة تحرص على إقامة الفعاليات المسرحية على مدار السنة، إضافة إلى تنظيمها لعدد من العروض المسرحية في المناسبات الوطنية والأعياد والمهرجانات المختلفة. وشكلت أمانة منطقة الرياض لجنة لتقييم النصوص المسرحية الخاصة بإدارة الخدمات الاجتماعية بالأمانة، وتضم هذه اللجنة مجموعة من الخبراء المسرحيين من مخرجين وكتاب، حيث تقوم هذه اللجنة بفرز النصوص ومراجعتها واختيار النص الأمثل الذي يحوي قيما ثقافية ورسالة واضحة تخدم المواطن والمقيم. وأوضح المهندس الهويمل أن الأمانة خصصت بمناسبة عيد الفطر المبارك لهذا العام، ثلاثة عروض مسرحية للرجال، وعرضين للنساء، وعروضا أخرى للأطفال، إلى جانب عدد من العروض المسرحية المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة. وأضاف الهويمل "حرصت الأمانة هذا العام على انتقاء النصوص ذات الطابع الترفيهي والمضمون الجيد، الذي يحمل قيما عالية ورسائل توعوية تتناسب وثقافة المجتمع السعودي، كما حرصت الأمانة على استقطاب نجوم الكوميديا لجذب الجمهور وتحفيزهم لحضور هذه الفعاليات". وحول دور المسرح في التوعية والتوجيه يشير الهويمل إلى أن المسرح يعد مجالا خصبا لإيصال الرسائل للجمهور بشكل غير مباشر، بما يسهم في الحفاظ على المنجزات الوطنية واللحمة بين الشعب، واتباع القيم والمبادئ. عرض مسرحي في الطائف. ومن جانبه رأى سلطان البازعي رئيس مجلس إدارة الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، أن الجمعية منذ إنشائها قبل أكثر من 40 عاما، وهي تولي المسرح اهتماما خاصا على مستوى فروع الجمعية المنتشرة في مناطق المملكة، حيث أعدت الجمعية العديد من الدورات والبرامج الخاصة بصناعة المسرح وتأهيل الكتاب والممثلين المسرحين، إيمانا منها بأهمية دور المسرح كشكل من أشكال التعبير ووسيلة مهمة من وسائل التوعية والتثقيف. ويرى البازعي أن اهتمام الجمعية بالمسرح، يعد أمرا طبيعيا لكونها أول مؤسسة حكومية تعنى بالفنون والثقافة بمختلف أشكالها، وأسهمت في رفد الساحة الفنية بعدد كبير من نجوم الدراما السعودية الذين أثروا المشهد الفني في المملكة بأعمالهم التي لامست هموم المواطنين وقضاياهم، مؤكدا أن الجمعية ما زالت معنية باكتشاف المواهب الشابة وتطوير إمكاناتها وتأهيلها لتقف على خشبة المسرح بكل اقتدار واحترافية. وحول بدايات المسرح في المملكة يشير البازعي إلى أن النشاط المسرحي بدأت أولى طلائعه في مطلع الستينات في مدارس التربية والتعليم، والجامعات، والأندية الرياضية التي كانت تلقى دعما من الرئاسة العامة لرعاية الشباب، والتي كان لها الأثر البالغ إلى جانب نشاطات الجمعية في نشوء حركة مسرحية ناضجة، استقطبت الجمهور في تلك الفترة. ويؤكد البازعي أن المشهد المسرحي يشهد تطورا ملموسا، ويحظى بالدعم والاهتمام الذي يجسده اهتمام أمانة منطقة الرياض بالمسرح ودعمها للأعمال المسرحية التي تعرض في المناسبات الوطنية والأعياد والمهرجانات المختلفة التي تشهدها المنطقة. ويضيف "للمسرح قيمة تربوية عالية، يتعلم من خلالها الشباب العمل بروح الفريق الواحد، والقدرة على الخطابة ومواجهة الجمهور"، مؤكدا أن المسرح وسيلة إعلامية ساخنة يمكن توظيفها في الدعوة والإرشاد والتوعية والتثقيف، وهي ذات أثر عال وقوي كونها وسيلة حيوية تمتاز بالتفاعل والاستجابة المباشرة بين الممثلين والجمهور، لذا ينبغي استثمارها في كل ما من شأنه تكوين المواطن الصالح المنتج في المجتمع على كل الأصعدة.