×
محافظة الرياض

بلدية الخرج تطبق لائحة المخالفات على 10 مطابخ مخالفة أيام العيد

صورة الخبر

من هامات الأدب العربي المعاصر، العالم فَالأديب مصطفى لطفي بن محمد لطفي المنفلوطي ـ رحمه الله ـ، الذي تخرج من الأزهر الشريف، وتميز بأسلوب منفرد في كتبه الشهيرة، ومن أهمها "النظرات"، و"العبرات" اللذان تجلت فيهما طريقته الأدبية الفذة في الدفاع عن المثل العليا، ونقد الرذائل الاجتماعية.. "النظرات" قصص منقولة، أفكارها بسيطة، ومفرداتها عميقة، وأغلب موضوعاتها مأساوية وحزينة، استحق بها تلقيب الأديب الشهير عباس العقاد له بأبي المساكين والبائسين.. في الصفحة "63" من الجزء "3" من "النظرات" أقصوصة مناسبة للظرف الزماني، عنوانها "يوم العيد"، يقول فيها أديبنا الإنساني الكبير: "أفضلُ ما سمعتُ في بابِ المروءةِ والإحسانِ أن امرأةً بائسةً وقفت ليلةَ عيدٍ من الأعيادِ بحانوتٍ للهدايا في "باريس"، يطرقه الناسُ في تلك الليلة لابتياعِ اللُّعبِ لأطفالهم الصغار؛ فوقع نظرها على لعبةٍ صغيرةٍ منَ المرمرِ هي آيةُ الآياتِ في حسنِها وجَمالِها؛ فابتهجتْ بمرآها ابتهاجا عظيمًا؛ لأنَّها كانت تنظر إليها بعينِ وَلدِها الصغير، الذي تركتْه في منزلها ينتظرُ عودَتَها إليه بلعبةِ العيد كما وعدته، فأخذتْ تساومُ صاحبَ الحانوتِ فيها ساعةً، والرجلُ يُغَالِي فيها مغالاةً شديدةً، حتى علمَتْ أن يدَها لا تستطيعُ الوصولَ إلى ثَمنها، وأنَّها لا تستطيعُ العودةَ بدونِها، فأخذتْ اللُّعبةَ خفيةً على أن تعيد ثَمنها لصاحب الحانوت بعد يومٍ أو يومينِ، وكانت تظنُّ أن الرجل لا يراها، ولا يشعرُ بمكانها. ثم رجعت أدراجَها، وقلبُها يخفقُ في آنٍ واحدٍ خفقتين مختلفتين: خفقةَ الخوفِ من عاقبةِ فِعلتِها، وخفقةَ السرورِ بالهدية الجميلة التي ستقدمُها بعد لحظات قليلة إلى ولدها؛ وكان صاحبُ الحانوتِ من اليقظة وحدَّةِ النظر، بحيث لا تفوتهُ معرفةُ ما يدورُ حولَ حانوته، فما برحتْ مكانها حتى تبعها، يترسَّمُ مواقِع أقدامِها حتى عرفَ منزلها، ثم تركها وشأنَها وذهب إلى مخْفَر الشرطة؛ فجاء منه بجنديين للقبضِ عليها، وصعدُوا جميعا إلى الغرفة التي تسكنها، ففاجأوها وهى جالسة بين يدي ولدها تنظرُ إلى فرحتهِ وابتهاجه باللعبة نظرات الغبطة والسرور، فهجم الجنديانِ على الأمِّ فاعتَقَلَاها، وهجم الرجلُ على الولد فانتزع اللعبةَ من يده، فصرخ الولد صرخةً عظيمة، وظلَّ يبكي بكاء شديداً، فجَمدَ الرجلُ أمام هذا المنظر المؤثِّر، وأطرق إطراقاً طويلاً؛ فانتفض انتفاضةً شديدةً وصَعُبَ عليه أن يترك هذه الأسرةَ الصغيرةَ المسكينةَ حزينةً منكوبةً في اليوم الذي يفرحُ فيه الناس جميعا؛ فالتفت إلى الجنديين، وقال لهما: أظن أنِّي أخطأتُ في اتهامِ هذه المرأةِ؛ فإنِّي لا أبيعُ هذا النوع من اللُّعَبِ، فانصرفَا لشأنِهما، والتفت هو إلى الولد فاعتذر إليه وإلى أمه عن خشونته وشدته، فشكرتْ له فَضْله ومروءته، وجبينها مبلَّلٌ عرقا؛ حياءً مِنْ فِعلتها، ولم يفارقهما حتى أسدى إليهما من النعم ما جَعل عِيدَهما أسعدَ وأهنأ مما كانا يظنان، "حَسْب البؤساء من محن الدهر وأرزائه أنهم يقضون جميع أيام حياتهم في سجن مُظلم من بؤسهم وشقائهم، فلا أقل من أن يتمتعوا برؤية أشعة السعادة في كل عام مرة أو مرتين".. اليوم نستودع الله رمضاننا المبارك، ونستقبل غدا ـ على الراجح فلكيا ـ عيدنا الميمون، عسى المولى سبحانه أن يجعله سعيدا على كل الدنيا، ولعل خاتمة القصة فرصة لنتخلص وخصوصا في الأعياد من البؤس والبؤساء. خاتمة منفلوطية: "الحرية شمس يجب أن تشرق في كل نفس، فمن عاش محرومًا منها عاش في ظلمة حالكة".