من أقسى التحقيقات التي أجريتها قبل سنوات وأكثرها إيلاماً للنفس، تلك التي كانت في دور رعاية كبار السن. قصص يندى لها الجبين، وتتقرح لها الجفون، أمهات وآباء رغم جحود الأبناء وعقوقهم لا يدعون إلا بالخير لأبنائهم، وصلواتهم لا تخلو من التضرع بالله لأن يكفي فلذات أكبادهم الشر والشرور أينما كانوا. ممرضون يقسمون بأنهم رغم سأمهم وفقدانهم للأمل لا يزالون يهاتفون أبناءهم يترجونهم لزيارة آبائهم ولو في "كل سنة مرة" دون جدوى، بل وصلت وقاحة بعضهم إلى أن يطلب منهم عدم تكرار الاتصال إلا في حالة تبشيره بخبر وفاة والده! كنت أعتقد إنها القصص الأقسى، إلى أن أبدت لي الأيام والسنون ما هو أمر و أقسى، أب طاعن في السن تقيد رجلاه وتكبل يداه بالسلاسل من قبل أبنائه ويرمى في البحر حياً بعد أن فقدوا الصبر وملوا من عمره المديد، لينتشل بعدها جثة هامدة، ستقف يوماً عند ربها لتشكو له عقوق أبنائها، وآخر كان أكثر حظاً منه عندما نجا بإعجوبة بعد أن تكاتل عليه أربعة من أبنائه الذكور، وقيدوه بعد ضربه ولكمه وطعنه بالسكاكين، طمعاً في أمواله التي يظنون أنهم أحق منه فيها، رغم أنهم لم تسقط منهم قطرة عرق واحدة في جمعها! وأم أشبعت ضرباً ولكماً على يد ابنها، حتى غدا وجهها كالقرص المنتفخ الملون بالأزرق والأحمر، فقط ليرضي زوجته بعد خلاف نشب بينهما، فقرر أن يتخلص من "جنته" لينال قلب محبوبته التي ستأخذ بيده حتماً إلى "ناره وجهنمه" . أجزم أن الكثيرين منكم سمع أو رأى و ربما قد عايش قصصاً لعقوق الأبناء وجحودهم، ربما أفظع مما قد ذكرت، نعم ليست قصصا جديدة، ولكنها متجددة باقية، وكأن لا جيل من هذه الأجيال قرأ وفقه قوله تعالى "وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا"! شهر رمضان المبارك قد اقبل وتتوالى ايامه ولياليه ، فكما علمكم آباؤكم أنه شهر الله وصيامه واجب، عليكم أن تعلموا أن رضا الله من رضا الوالدين، وأن برهما واجب كما هو واجب عليكم الصيام، زوروهم، اسألوا عنهم، شاركوهم وجبة الإفطار والسحور إن أمكن، كونوا معهم قبل أن يرحلوا فترحل عنكم السعادة الحقيقية. ياسمينة: صدقوني حتى وإن كنتم عاقين لايزالون يحبونكم، يدعون لكم بالهداية، وسينسون كل إساءة ما إن تقبلوا عليهم، ورمضان كريم عليكم.