< لا يمكن تصنيف العلاقة بين الإبل والعرب بالعلاقة العابرة، إذ مر قرون من الزمن ارتبط الجمل ومالكه بعلاقة وثيقة، وبسببها نشبت حروب امتدت إلى عقود. حرب البسوس التي وقعت قبل الإسلام بين قبيلتي بكر وتغلب العربيتين خير شاهد على تلك الرابطة. وفي الوقت الذي سجلت الإبل حضورها بوصفها أكبر الأسواق في المنطقة بوصول أسعارها إلى أرقام فلكية تجاوزت الملايين، وبدأ المهتمون في تربيتها بتنظيم المهرجانات الخاصة بها، لتنتشر على المستوى الإقليمي في الأعوام الأخيرة، أطلت أزمة «كورونا» لتعصف بأحلامهم وتجعلهم في حيرة بين داء ليس له دواء، ومعشوقة يتغنون بها وورثوا حبها منذ مئات السنين. الأزمة الأخيرة لفايروس كورونا والتصريحات المتوالية لمسؤولين جعلت ملّاك الإبل في حيرة، وبدأ يتردد في مجالسهم التي تنتشر في أطراف المدن بالقرب من الأماكن المخصصة لإبلهم تساؤل عريض: هل ستلحق الإبل بالطيور؟ مستشهدين بخطوات وزارة الزراعة الوقائية وقت انتشار فايروس إنفلونزا الطيور في السعودية خلال العقد الماضي. وبين توجس خيفة من أن تكون الإجابة غير القطعية بالإيجاب وإلحاق الإبل بالطيور من خلال حرقها أو إعدامها، يجد ملّاك الإبل أنفسهم في حيرة من الخطوة التالية التي ستُقدم عليها الجهات المعنية وفي مقدمها وزارة الزراعة، خصوصاً في ظل تواتر الأنباء عن إيقاف المهرجان الرسمي لهم «أم رقيبة». وتزامناً مع القرارات الأخيرة حول «كورونا» بدأ المُلّاك في إعداد العدة لمواجهة الحملة التي تقوم بها الجهات الحكومية المسؤولة عن هذا الملف، وخلال الأسبوع الماضي عقد عدد من كبار الملّاك اجتماعاً في الرياض لمتابعة المستجدات في معركة «كورونا» والإبل، مطالبين الجهات الرسمية بتقديم إثباتات رسمية عن قطعية العلاقة قبل البدء في اتخاذ أية خطوات رسمية تجاه هذا الملف. أزمة «كورونا» والتفشي الأخير له في منطقة الرياض التي تعتبر من أكثر المناطق في المملكة في عدد الإبل أدت إلى اختلال في موازين من يملكونها لهدف تجاري، فالمهرجان الرسمي لها مُهدد بالإيقاف أو التأجيل سواء أكان بقرار حكومي أم من اللجنة القائمة عليه، واستخدام جزء منها للتجارة من خلال بيعها أضاحي، تزامناً مع موسم الحج تم إيقافه أخيراً بقرار استصدر من المفتي العام للمملكة - على حد وصفهم -. والملّاك أنفسهم الذين ينتشرون في معظم مناطق البلاد بدوا مطالبين بعدم إيقاف مهرجانهم السنوي، أو نافين علاقة الإبل بفايروس كورونا، وبين هذه وتلك لايزالون في انتظار قرار رسمي يزيل الشكوك ويبين الحقائق، بيد أن أسعار الإبل بدأت تتهاوى خصوصاً المُعدة للذبح بصفتها أضاحي لتنخفض بنسبة تصل إلى 50 في المئة بحسب أسواق بيع الإبل. بدوره، طالب أحد ملاك الإبل في الرياض محمد المناعي وزارة الزراعة بإعلان العينة التي تم درسها، والمختبرات التي تعاملت مع نتائجها، مؤكداً أن الملّاك بشكل مستمر لم يصلهم طلب من الوزارة لفحص الإبل التي يملكونها، ولا يعرف أحداً تم الكشف على إبله. وأضاف في حديث إلى «الحياة» أن: «جميع الملّاك لا يمانعون التعاون مع أية جهة حكومية لمكافحة الفايروس الذي يهدد المجتمع، بيد أنهم يطالبون بإثباتات تؤكد قطعية علاقة الإبل بهذا الوباء»، مشيراً إلى أنهم من خلال تعاملاتهم السابقة مع الزراعة يُدركون ضعف التجهيزات وعدم قدرة الوزارة على توفير مثل هذه الدراسات، إذ إن عياداتهم البيطرية تفتقد أدنى معايير الاهتمام. وأشار إلى أن ما يتردد عن إيقاف مهرجان أم رقيبة لمزاين الإبل يدعو إلى الحيرة في ظل استمرار تنظيم المزادات المتخصصة لبيع الإبل في عدد من مدن المملكة كان آخرها - على حد وصفه - مزاد البجادية والرس قبل أشهر عدة، متسائلاً ما هو الفرق بين مهرجان أم رقيبة ومزادات الإبل الأخرى؟ أكاديمي «يُشكك» في صدقية نتائج ثلاث جهات حكومية حول «كورونا» < شكك الأكاديمي في كلية الزراعة بجامعة الملك سعود والأمين العام للجمعية السعودية لدراسات الإبل الدكتور سعيد باسماعيل، في النتائج التي أعلنتها وزارة الزراعة أخيراً حول علاقة الإبل بتفشي متلازمة الشرق الأوسط التنفسية «كورونا»، مؤكداً أنه لا يوجد أي بحث أو دراسة علمية دقيقة تؤكد علاقة الإبل بانتشارها وانتقال الفايروس إلى البشر من طريقها، لافتاً إلى أن وزارة الصحة تتحمل انتشار الفايروس بسبب سوء إجراءاتها الوقائية، وأن دراسة جامعة الملك سعود الأخيرة غير دقيقة. وقال باسماعيل في حديث إلى «الحياة»: «لا تمتلك وزارة الزراعة أي مختبرات تستطيع من خلالها إجراء أبحاث دقيقة، والعيادات البيطرية المتوافرة لديهم ذات إمكانات متواضعة»، مضيفاً: «كيف يمكنهم إجراء هذه الأبحاث العلمية وسحب العينات على رغم عدم توافر الأدوات الرئيسة لديهم، في ظل عدم الاستعانة بالمتخصصين من أساتذة الجامعات في المملكة». وعن الدراسة التي أعلنت جامعة الملك سعود نتائجها أخيراً، أوضح باسماعيل أن القائمين عليها غير متخصصين في مجال الفايروسات أو دراسات الإبل، مفيداً بأن الباحث الرئيس عضو هيئة تدريس في قسم علم الحيوان تخصص ثديات، وعلى رغم نشرها في مجلة علمية إلا أننا قمنا بمراسلة المجلة وتوضيح عدم منهجية الدراسة وتم نشر ردنا في حينه». وشدد على أن وزارتي الزراعة والصحة تبحثان عن شماعة لتعليق فشلهما في احتواء الفايروس، وسوء خدماتهما لتضع الإبل في قفص الاتهام وهي براء منه، مؤكداً أنه لا يوجد أية دراسة علمية تؤكد قطعية علاقة الإبل بنقل الفايروس. وطالب الأمين العام للجمعية السعودية لدراسات الإبل وزارة الزراعة بإعلان حالات الإبل التي أصيبت بالفايروس وتمت معالجتها في مختبراتهم، متهماً وزارة الصحة بتضليل الرأي العام والمسؤولين بالنتائج التي تعلنها وترمي التهم على الإبل، ومستشهداً بالحالة التي سجلت في مستشفى الحرس الوطني، وإعلان الوزارة عن علاقتها بالإبل ثم نفي أحد أبناء المتوفى هذا الادعاء في برنامج تليفزيوني. وأضاف أن: «وزارة الصحة استصدرت فتوى من أعلى سلطة دينية بحجة الخوف من التفشي الأخير للفايروس، مبدياً تذمره من التهديد الذي يتعرض له ملّاك الإبل بالإجبار على فحصها والتهديد بحرق الإبل في حين لم يتم إثبات انتقال الفايروس من طريقها.