رغم البداية المتعثرة في النواحي التنظيمية من قبل البلد المضيف «البرازيل»، وضعف حفل الافتتاح المبسط لبطولة كأس العالم 2014 والذي لم يرتق لمستوى التطلعات الجماهيرية، إضافة للمشاكل التي شهدتها الحركة المرورية بسبب إضراب عمال «الميترو» مما سبب إرباك المواصلات، ورغم التأخر في تجهيز الاستادات التي ستقام عليها المباريات وتأخر إتمام عملية الصيانة اللازمة لأرضيات تلك الملاعب، وكذلك المظاهرات المناهضة لإقامة كأس العالم من قبل برازيليين غاضبين من ارتفاع تكاليف استضافة البطولة وسط معاناة الفقراء الذين لا يجدون ما يأكلونه، إلا أننا اليوم أمام أفضل مونديال «كروي» شهده التاريخ نظير المستويات الفنية العالية التي قدمتها المنتخبات المشاركة في المسابقة، ونظير الأرقام التي تحققت حتى نهاية دور الستة عشر. رئيسة البرازيل «ديلما روسيف» وقفت في وجه المظاهرات المطالبة بعدم إقامة كأس العالم في البرازيل، ودافعت عن الانفاق الهائل الذي سيترتب على الاستضافة (الذي قدر بنحو 11 مليار دولار)، وقالت «روسيف» في خطاب بثه التلفزيون الرسمي إن الاستثمارات في الملاعب والمطارات وغيرها من البنى التحتية سيكون ذا فائدة للبلاد على المدى الطويل، وأوضحت حرفياً بأن كل المشاريع التي نفذت من أجل البطولة لن تكون في حقائب السياح عندما يغادرون، وأضافت بأن الإنفاق الحكومي على الصحة والمدارس تم خلال السنوات الثلاث الأخيرة بما يزيد على 212 ضعفاً عما أنفق على الملاعب. تلك التصريحات ساعدت على تخفيف وتيرة التوترالذي سببه المتظاهرون، وساهمت بفعالية في نجاح البطولة من النواحي الأمنية والتنظيمية بصورة أفضل مما كانت متوقعة قبل انطلاق المونديال. من حيث الدخل المالي يعد المونديال الحالي هو الأعلى في تاريخ المسابقة منذ انطلاقتها، ففي تقريرأعده مركز (بي.دي.أو) للاستشارات المالية.. عن استضافة البرازيل لكأس العالم ذكر بأن التوقعات تشير إلى إمكانية تحقق عائدات قياسية للاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» تتجاوز 5 مليارات دولار مما يعني ارتفاع هذه العائدات بنسبة 36% عما تحقق في في مونديال 2010 بجنوب إفريقيا، وبزيادة نسبتها 110% عما حقق في كأس العالم 2006 في ألمانيا، هذه الإيرادات تأتي بشكل رئيسي من خلال بيع حقوق النقل التلفزيوني للمونديال، وحقوق الرعاية والتسويق الخاصة به، وكذلك حقوق ترخيص المنتجات والضيافة من تذاكر وغيره، وذلك على مدار دورة الأربع السنوات الخاصة التي تسبق المونديال. ومن جهة أخرى.. تتوقع ذات الدراسة أن تضيف استضافة كأس العالم في البرازيل للناتج المحلي الإجمالي للبلاد زيادة بنسبة 1% خلال العام الحالي. هيئة السياحة البرازيلية بدورها تتوقع أن يتوافد 600 ألف سائح لحضور مباريات كأس العالم 2014 ينفقون حوالي (2.6) مليار دولار، إضافة لثلاثة ملايين برازيلي سيتوافدون لحضور المباريات وينفقون قرابة (7.9) مليار دولار، مما يعني أن إجمالي الدخل المتوقع من البطولة سيقارب الـ11 مليار دولار وهو ما يساوي 20 ضعف ما جنته جنوب أفريقيا في 2010. تلك الأرقام تدفع مونديال البرازيل لأن يتفوق مالياً على كل البطولات السابقة ويتصدر قائمة الأفضلية من النواحي الاقتصادية. «كروياً».. في اعتقادي الشخصي هي البطولة الأفضل فنياً من حيث المستوى الكروي طوال متابعتي لبطولات كأس العالم بداية من مونديال 86 في المكسيك، ويشاطرني الرأي الأمين العام للاتحاد الدولي لكرة القدم السيد جيروم فالكه الذي قال لقناة جلوبو التلفزيونية: «أعتقد أنها أفضل كأس عالم من حيث كرة القدم. إنها الأكثر تهديفا منذ نهائيات 1982م». لأول مرة في تاريخ البطولة يصعب التنبؤ بنتيجة كل مباريات البطولة نظراً لارتفاع مستويات المنتخبات المشاركة ولعل تأهل خمس منتخبات بعد التمديد للوقت الإضافي خلال مباريات «دور الستة عشر» هو أكبر دليل على تقارب المستويات. إضافة لذلك.. أول مرة يتأهل «لدور الثمانية» المنتخبات التي تصدرت المجموعات الثماني.. مما يعكس ثبات وقوة ومنطقية وصولها لهذه المرحلة. بعيداً عن المعايير الفنية.. فإن ما يزيد من أفضلية المونديال «كروياً» على كل البطولات السابقة هو أن لعبة كرة القدم لم تقتصر فقط على المنتخبات المشاركة ولاعبيها الدوليين.. بل إنها امتدت في المونديال الحالي لتصل إلى الجماهير الحاضرة التي ما أن تنتهي من متابعة المباريات إلا وتتجه لشواطئ البرازيل الساحرة للمارسة لعب كرة القدم تحت الأضواء الكاشفة وفوق الرمال الناعمة، وهو ما يدعم أحد أهم أهداف الاتحاد الدولي للعبة من حيث العمل على انتشار رياضة كرة القدم وزيادة شعبيتها بصورة أكبر مما هي عليه حالياً (رغم تصدرها قائمة الألعاب الأكثر شعبيةً حول العالم).