يبدو أن هذا العالم مهووس بالألعاب النارية البشرية، التي يتكسب بها من جانب ويلهي بها الآخرين من جانب آخر. هذه الألعاب بدأت منذ الثمانينات أثناء غزو السوفييت لأفغانستان. وانتقلت بعد ذلك إلى مناطق أخرى حول العالم من بينها كوسوفا والشيشان وأجزاء من أفريقيا والشرق الأوسط. وقد كان أسامة بن لادن هو لعبة النار الكبرى والأعنف في تاريخ ابتكار ألعاب النار البشرية لدى أجهزة المخابرات. اليوم يتسلى العالم بشخص ولعبة جديدة اسمها أبو بكر البغدادي.. وإذا حسبت دقائق التلفزيون وكميات النصوص التي تصرف على ذكره ووجهه المدور وقناعه المستفز، فستجد كما هائلا من الاحتفاء بهذه اللعبة (الجديدة) التي تنقلنا، ربما مؤقتا، من لعبة (مرسي) وعشيرته في مصر أو تنقلنا، مع سبق الإصرار والترصد، بعيدا عن لعبة بشار وجلاوزته في سوريا. القنوات الأمريكية والأوروبية وكل القنوات، بكل اللغات، تشتغل الآن، إخبارا وتحليلا وحوارا، على التعريف بالسوبرمان أبو بكر: متى وأين ولد؟ كيف تربى وكيف كبر؟ أين درس وأين سجن؟ وما هي حدود علاقته بالظواهري وحدود علاقته السابقة بسوبرمان التسعينيات بن لادن.؟! وهناك، كالعادة، 20 مليون دولار لمن يأتي برأسه أو يدل على مخبئه.!! ولدي يقين بأن العالم العربي قريبا سيشم رائحة مسك قادمة من كل الاتجاهات مصدرها نفحات من قدم (البغدادي) التي جرحت في هذا الكمين أو ذاك. كما لا أستبعد أن تطور هذه اللعبة بعد حين ليرفق بها مجموعة من (التهاويل) الإعلامية المشوقة. مثلا سنقرأ قريبا في دليل هذه اللعبة ما يلي: «يقوم تنظيم داعش على الوحدات الفرعية بينما يعتمد بدرجة عالية على النظام البيروقراطي، وتنسيق سياسي عسكري على مستوى التخطيط والحكم، لكنه غير مركزي على مستوى التنفيذ»، أو نقرأ: «.. كما لا يبدو محتملا في هذه المرحلة أن يقوم داعش بمحاولة جريئة لتأسيس وجود له في الأردن، إلا أنه من المتوقع أن يشن هجمات متفرقة عبر الحدود مع تزايد التأييد الشعبي له في الأردن»، أو إلى آخره من رسم خطوط لعبة البغدادي وتصويباتها نحو أهداف مرسومة سلفا في دهاليز دولية وإقليمية متربصة. وعلينا نحن أن نصدق في كل مرة هذه (الألعاب) الخطرة من غير حتى أن نسأل: ترى من الذي يصنع هذه اللعب ومن الذي يكتب أدلتها؟ هل هو السوبرمان أبو بكر البغدادي وأشباهه أم مجموعة من المخططين الأشرار الذين يوزع وكلاؤهم الابتسامات والبراءات و (الإنسانيات) الزائفة على الشاشات.