يحكى أن رجلين من أهل القرى ربطت بينهما صداقة حميمة وتوطدت العلاقة بزيارتهما المستمرة لبعضهما في المواسم والمناسبات والأعياد وكلما زار حمدان صديقه جمعان علا صوت التراحيب والتساهيل حتى يتسامع بها كل بيت في القرية وطرق صوت المهراس آذان الجماعة ليتوافدوا تباعا لمنزل جمعان ويتجمع الجيران والأقارب لسماع أعلام الوافد كون (شرحة اللافي علمه) والأخبار بالأستار وللقرويين مع السرد مهارة لغوية وبلاغية تشويقية تنتشر مع رائحة تشويط رأس الذبيحة فتكون رسالة لكل بيت أن أبشروا بــ (بلال قرصكم) ويتقدم الضيف والأعيان على وليمة فخمة يعتني فيها المضيف بتفاصيل المائدة التي من لوازمها توفير اللبن والسمن والعسل والمرق مع الخبز البلدي ولحم الضأن الجذع وبعدها سهرة شعرية ومعاميل تدور بالبن والشاي وتختتم الليلة بالتحيات والدعوة بالبركات والتكثير بالخير. ومرت الأيام وقضى الله على جمعان بالموت فحزن صديقه وانقطع عن زيارة أهله حينا من الدهر وذات صباح حمل عصاه على كتفه واعتلى ظهر مشدوده ويمم تجاه اليمانية وطرق باب منزل رفيقه الراحل فخرج الابن متسائلا من أنت؟ فرد : صديق أبيك ؟ ويردف ( وش تبغى)؟ فيجيب : مسلم ومطمئن عليكم، فيدخله البيت على مضض ويتحرك بتثاقل ويذهب ليتشاور مع والدته ماذا يقدم ويعود، ثم يأتي بتمر في خوص متهالك ويضعه بين يدي صديق أبيه ويسأله: أتشرب قهوة وإلا أجيب لك لبنا أو تبل التمر في سمن، فيرد حمدان «الله يرحم أبوك اللي كان يخلطها» وفيما يبدو أن القرويين لا يتخلصون من جذورهم بسهولة فبرغم أن شهر رمضان شهر اقتصاد وعدم إسراف وبعد عن البذخ إلا أن الجينات الوراثية تعيدنا إلى الجذور وتورطنا في التخليط فالموائد عامرة بما لا تطيقه معدة آدمي.. وشهركم مبارك.