رغم أننا نقضي ثلث أعمارنا في النوم (36 في المائة من حياتنا) إلا أننا لم نتمكّن من كشف أسرار هذه الرحلة اليومية إلى المجهول، ويظل أهم سر اكتُشف حتى الآن من أسرار النوم هو أن جزءا من المخ ينشط أكثر، لذا نستطيع أن نتعلم ونبدع في أثنائه وهذا خلافاً لما تعارفت عليه المجتمعات الحديثة وآمنت به من أن النوم كسل ومضيعة للوقت. تقول مارجريت ثاتشر النوم للسيئين والفشلة لأن الناجح لا يضيع وقته في النوم!. فمن بعد مصباح السيد أديسون تحول ليلنا إلى نهار واعتُبر النوم مرضاً يجب التخلُّص منه! ولكن العلماء ظلوا ينادون بأهمية النوم ليلا ولفترة طويلة حتى ظهر بحث جديد ثبت فيه أن النوم من أربع إلى ست ساعات أفضل وأعظم فائدة من النوم الطويل. يقول الحق سبحانه وتعالى عن صفات المؤمنين (كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ). لذلك كان الحث على تقليل النوم ليلاً وتعويضه بنومة أو استراحة القيلولة السيستا يقول صلى الله عليه وسلم (أقل فإن الشياطين لا تقل) دليل على استحباب نوم القيلولة وهي وقفة قصيرة في خضم زحمة الحياة اليومية للسكينة والراحة والاسترخاء وشحن لبطاريتك النفسية والجسمانية. يقول الدكتور عمرو عمار إن حركة كهرباء المخ تستنفد في وقت مبكر من النهار وتعيد له القيلولة تركيزه. ويستطيع الشخص مواصلة العمل إلى الليل، وهذا ما أثبتته دراسة قام بها الباحث سيزار إيسكالاتني وزملاؤه وخلصوا إلى أن القيلولة تزيد الإنتاجية وتزيل التوتر وتعزّز الذاكرة! على أن تكون مدتها من عشر إلى أربعين دقيقة، وإذا زادت على ذلك قد تعطي نتائج عكسية. وبعد أن كان الغرب يحارب هذه النومة ويعدها من صفات الشرق السيئة، آمنوا بها، بل قامت جمعيات وجماعات وساسة ونواب برلمانيون للمطالبة بها ودعمها، ففي البرتغال يتولى وزير العمل بنفسه مسؤولية الدفاع العلني عن القيلولة ومناصرة (رابطة محبي نوم القيلولة)! وفي الصين اعتراف رسمي دستوري بالقيلولة كحق للعمال، وتوجد في أستراليا مراكز خاصّة للتدليك فترة القيلولة بأسعار باهظة نظراً لمعرفتهم بعائداتها المستقبلية! وفي بريطانيا تسمّى (بَور ماب) خُصّصت لها أماكن وفرش لأخذ قسط من الراحة. وتدعو مؤسسة النوم الوطنية الأمريكية إلى القيلولة، ومن أشهر الوكالات والمؤسسات التي طبقتها وكالة ناسا حيث ثبت لديهم أن السماح للعاملين بالنوم في مكاتبهم لفترة لا تزيد على 45 دقيقة بعد الظهر تزيد الإنتاجية بمقدار 35 في المائة، وكذلك شركة أبل طبقت هذا النظام منذ عام 1990م، كما سمح للطيارين بأخذ غفوة أثناء الرحلات لا تتجاوز الدقائق ليكونوا أكثر تركيزا، وخصَّص اليابانيون غرفاً وأسرّة مجهزة لراحة العاملين في أثناء قيلولتهم. وليس شرطاً فيها النوم في أسرّة، بل يكفي غفوة قصيرة على كرسي مكتبك في جو هادئ وضوء خافت بعيداً عن الضجيج ... فهل ستطبق لدينا أم أنها مطبقة بالفعل ولكن بصورة مغايرة؟!