على الرغم من ذكر قصة فرعون في القرآن الكريم كمثال لطاغية استباح دماء قومه ومقدراته، ونهايته المأساوية التي قدرها المولى عز وجل لتكون دالة وعبرة لغيره، إلا أن القليل هو من يتذكر ويعتبر، فبخلاف نماذج كثيرة من أشباه فرعون فيما مضى إلا أن التاريخ الحديث كان وما زال حافلا بآخرين ممن اختاروا نهجه طريقا ومسلكا للحكم، فمغامرات هتلر وموسوليني كادت أن تدفع البشرية بأكملها لحافة الهاوية في الحرب العالمية الثانية، وفي تسعينات القرن الماضي أيضا ضرب تشاوسيسكو مثلا صارخا في تحدي إرادة شعبه وأصر بعناد لا يضاهى على عدم ترك كرسيه ومجده وسلطانه، حتى لاقى نهايته المحتومة وحاصره جيشه وشعبه وقاموا بإعدامه هو وزوجته أمام أعين العالم. أما عالمنا العربي فقد شهد نماذج من طغاة ربما أبادوا أكثر مما أباد من قبلهم، فها هو صدام حسين الذي حكم بلاده بالحديد والنار وقادته نزواته إلى غزو الكويت ثم أعد نفسه لحرب كونية بأسلحة الدمار الشامل، ولكن شاءت إرادة المولى جل وعلا أن يشهد من الذل والهوان ما يليق بطاغية مثله، فيقبع في حفرة قذرة مشعث الرأس متخفيا عن أعين من يترصدونه، غير مصدق لنهايته وغروره الذي صور له أنه بمنأى عن الهزيمة، وتبددت تهديداته النارية ووعيده الأجوف بأن الحلفاء سيلقوا حتفهم عند أسوار بغداد، وانتهى الحال بإعدامه أمام العالم تاركا بلده في ضياع وشعبه في حالة يرثى لها حتى لحظتنا الراهنة. كما برز نجم الطاغية هامان ليبيا الذي أذل شعبه لأكثر من أربعة قرون متواصلة، انتهك فيها كرامتهم وسلبهم ثرواتهم، وعندما اندلعت شرارة الثورات ضده ظل في عناده واستكباره وكرر وعيد سلفه البائد بأن الحلفاء سيهزمون على أسوار طرابلس، ودارت الأيام دورتها الحتمية وقضى القذافي وقتا هاربا متخفيا عن عيون شعبه حتى قبضوا عليه وقتلوه وسحلوه أمام عدسات العالم، وهاهو طاغية دمشق يسير على درب أسلافه غير عابئ بالمشهد السياسي أمامه، لم تهتز له شعرة عندما أباد ما يربو على المئة ألف أو يزيد، لم يبال بتشريد المليون سوري ما بين لاجئ ونازح، فما يهمه هو ما يهم كل طاغية أن يظل على عرش سلطانه حتى الرمق الأخير وحتى يلفظ أنفاسه الأخيرة. يترقب العالم الآن اقتراب الضربة العسكرية ضد سوريا، فلقد دقت طبول الحرب كما حدث مع فراعنة بغداد وطرابلس، ويراهن العالم الآن على نخوة جيشه المغلوب على أمره والواقع بين مطرقة الأسد وسندان قوات الحلفاء، ولكن لعلها الفرصة الأخيرة لهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بأن يوجهوا أسلحتهم تجاه ذلك المارد الشيطاني وأعوانه. يراهن الأسد على دعم إيران وروسيا، غير أن بعض التركيز في قراءة التاريخ تخبرنا بأن روسيا دولة لا تحمي إلا نظامها، فقد هددت وتوعدت الغرب في حرب 1967 ثم تراجعت عن كل تهديداتها وتخلت عن العرب فعليا، كما كانت تدعم صدام حسين بقوة حتى ظن أنها ستؤازره في حرب الخليج الثانية، فما كان منها إلا أنها أدارت ظهرها له وتخلت عنه وتركته يعاني مرارة السقوط وحده، وهاهي اليوم روسيا تصدر التصريحات الواحد تلو الآخر معلنة أنها لن تدخل أي حرب فيما لو قام الحلفاء بضرب سوريا. أما إيران فالكل يعلم جيدا مدى قوتها الحقيقية، فهي قوة لا تتعدى التصريحات الإعلامية الرنانة، فالشعب الايراني لا يرغب في الدخول في أي حرب بعد حرب الخليج الأولى، ولذلك يمكننا القول إنه لم يبق أمام جنود سوريا الأوفياء سوى أن يعتمدوا على أنفسهم ويحرروا أرضهم وشعبهم من الطاغوت الأسدي، لقد بدأ العد التنازلي للانقضاض على الأسد، وما زال هناك بصيص من الأمل في أن يتحلى جنود سوريا الأوفياء بالشجاعة الكافية للانقضاض على زعيمهم الفرعوني وتسليمه لشعبه أو لمحكمة الجنايات الدولية، ليلقى جزاءه على كل ما تلوثت به يداه من دماء الشعب السوري، ويسترد الشعب الثوري مرة أخرى إرادته الحرة ويبدأ في إعادة بناء ما تم تدميره وليحكم الشعب السوري نفسه بنفسه قبل فوات الأوان. dr.mufti@acctecon.com