بيروت: «الشرق الأوسط» ينظر كثيرون بعين الشك إلى سعي إيران الهادف إلى فتح مكتب لوسيط في حي الوعر بمدينة حمص لمتابعة الهدنة المرتقبة بين المعارضة والنظام. وعد مراقبون المكتب «استمرارا للهيمنة الإيرانية على الشأن الداخلي للنظام»، في حين أبدت المعارضة السورية رفضها «أي دور إيراني ضمن التسويات أو الهدنات التي تحصل على اعتبار إيران دولة حليفة للنظام، وتشارك في قتل الشعب السوري». ونص البند الثامن من مسودة اتفاق الهدنة في حي الوعر بحمص على «فتح مكتب لوسيط الإيراني في الحي لمعالجة أي خرق أو تجاوز لبنود الاتفاق»، الذي لم توافق كتائب المعارضة حتى الآن على إنجازه احتجاجا على شرط تسليم مقاتليها سلاحهم. ويثير القرار الإيراني امتعاض المعارضة السورية، إذ عدّ عضو الائتلاف الوطني المعارض هشام مروة، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «إيران تسعى من وراء خطوة فتح مكتب لها في حمص، إلى بعث رسائل إيجابية، وتقديم نفسها شريكا وضامنا للسلام في سوريا»، موضحا أن ذلك «يناقض أداءها السياسي الداعم لنظام (الرئيس السوري) بشار الأسد، مما يعكس رفضها تحقيق أي حل سياسي يوقف المقتلة السورية». وليست هذه المرة الأولى التي تتدخل فيها إيران لإنجاز تسوية في حمص بين المعارضة والنظام، حسبما يؤكد المحلل السياسي السوري عبد الناصر العايد لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى أن «السفارة الإيرانية أشرفت على اتفاق إخلاء مقاتلي المعارضة من أحياء حمص القديمة، عبر أحد قادة الدفاع الوطني الموالي لها». وأوضح العايد أن «إيران تدعم جميع الميليشيات والقوى التي تقاتل إلى جانب النظام السوري (قوات دفاع وطني - مجموعات الشبيحة - لجان شعبية) لتستخدمها أدوات لتوسيع نفوذها العسكري على حساب النظام»، لافتا إلى أن «الإيرانيين يسعون إلى تظهير نفوذهم أكثر فأكثر في سوريا، وهو ما يغضب النظام الساعي إلى تصوير صموده بوصفه إنجازا ذاتيا». وتوقع العايد «انفجار الصراع بين النظام وإيران، إذا ما واصلت الأخيرة تثبيت نفوذها عبر ميليشيات عسكرية ومكاتب تنسيق الهدن». ورد اختيار إيران مدينة حمص لكونها «مجالا حيويا للطائفة العلوية التي تسعى إيران إلى استثمار مخاوفها من سقوط الأسد، وتحويلها إلى قاعدة اجتماعية تمد عبرها نفوذها». وكان الضابط السابق في الجيش السوري والمعارض العلوي ناصر النقري حذر، قبل يومين، من إطلاق حملة «مشبوهة وممنهجة لشراء أراض داخل مدينة حمص وفي أريافها الشمالية والشمالية الشرقية». وقال النقري في تعليق كتبه في صفحته على موقع «فيسبوك»، إن «سوق العقارات انتعش بشكل غير مسبوق، من خلال وسطاء وسماسرة غرباء عن المنطقة، وتسجل الأراضي المشتراة بأسماء ملاك شيعة». وفي حين وضع النقري هذه الحملة في إطار «طمس هوية محافظة حمص الأصلية، وتغيير نسيجها الاجتماعي، من خلال توطين نحو 500 ألف شيعي، من إيران وأفغانستان»، حض علويي حمص على «مواجهة المخطط بحزم وعدم بيع أراضيهم». وشهدت حمص خلال الأحداث الأخيرة تغيرات في تركيبتها السكانية على الصعيد الطائفي، بعد تهجير أعداد كبيرة من السنّة، نتيجة عمليات القصف النظامي، التي استهدفت أحياءهم بشكل مركز، في حين بقيت المناطق العلوية أكثر استقرارا. وتلعب إيران دورا أساسيا في إنجاز تسويات وهدن تكفل خروج كتائب المعارضة من المدينة؛ فبعد اتفاق الأحياء القديمة، تحاول التسريع في إنجاز تسوية في حي الوعر الواقع في ريف مدينة حمص وسط البلاد، ويضم 400 ألف مدني محاصرين من القوات النظامية منذ ثمانية أشهر. وتقضي تسوية الوعر بتسليم مقاتلي المعارضة سلاحهم مقابل تسوية أوضاع المطلوبين والمنشقين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية، وفتح الطرقات إلى الحي المحاصر منذ أكثر من ثمانية أشهر، وإطلاق سراح المعتقلين، بمن فيهم النساء، وإخراج من لا يرغب في تسوية وضعه خارج حي الوعر. في موازاة ذلك، ذكرت تقارير إعلامية أنباء عن وقف إطلاق النار بين الجيش النظامي ومقاتلي المعارضة في بلدتي الدار الكبيرة والغاصبية بريف حمص، تمهيدا لإبرام اتفاق مصالحة بإشراف الأمم المتحدة، لكن محافظ حمص طلال البرازي سارع، أمس، إلى نفي هذه الأنباء.