قد يتبادر إلى ذهن القارئ أنني سوف أتحدث عن كتاب شيخنا عبدالله ابن خميس -رحمه الله- «من أحاديث السمر»، وأُسبغ عليه شيئا من الإضافات المفسرة، ولكني أنجزت ذلك في زمن جميل مضى عندما منحت شرف دراسة الكتاب ضمن أطروحتي لنيل درجة الماجستير، واليوم أتحدث عن «السمر» تلك المفردة الجميلة التي تتنفس الروح بين حروفها، وتأتي ضروب البلاغة من ثناياها فالمصطلح جميل والثراء الدلالي في طاقاته أجمل وأجمل، فالسمر في واقعنا دائما ما يأخذ شكل الطاقات السلمية، التي تجمع كثيراً من المتباعدات، لتصنع كماً هائلاً من الدهشة، وتذهب بحاجة الأحباب والأصحاب إلى النبع، وقد يحتاج السمر إلى طقوس خاصة، وأزمان معينة، ومساحات كبرى للالتقاء بالآخرين، ليشاركوه تنقية دروب الحياة، وليس السمر فعلاً خارقاً ومذهلاً، إنما هو هبةٌ للتواصل وقناة واسعة، ربما جاز أن نقول إنها تستوعب فكر الآخر، وتحيله إلى حدائق ذات بهجة، فقد كان أجدادنا الأوائل يجتمعون في فضاءاتهم اللينة الهينة، ليتسامروا تحت ضوء القمر وموضوعهم بطولات الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن وجنوده، وتسامرٌ آخر حول ما ورد في إذاعة لندن عن تقاتل الناس في حروبهم التي خلدوها بأرقام مختلفة (الحرب العالمية الأولى، الحرب العالمية الثانية)، ويختم المتسامرون بعفويتهم [قولوا آمين الله يكفينا شرهم ويحمي ديرة آل سعود منهم......]، وسمرٌ آخر ربما دار حول مطر الوسمي، وهل أغنى لتصبح الأرض مخضرة؟. ومن اللافت أن الرواد الأوائل من الشعراء المحافظين، كانو ينثرون مصطلح السمر على بواكير أنديتهم الأدبية، فيذكرون في ومضاتهم وسيرهم أنهم كانوا يتسامرون مع المحابر والدفاتر في فضاءاتهم المختلفة، فمنهم من يفضل الاسترجاع أمام زملائه، وآخر يغلب عليه الاستباق، وفي أقل جماليات السمر يكون بمسموع أو منقول موغلاً أو مرتداً، المهم أن يفتح شغف السمر، وأن لا ينتهي بخرق النمط، أو إحداث توتر في سمرهم. فأتمنى أن أهتدي إلى بوح مختلف يستطيع أن يلاحق برقيات أفكاري حول تحول السمر في داخلي لتصعيد آخر، كانت نتيجته إضاءات انتهت وأصوات اختفت.