ذهبت معلّمة فلسطينية إلى المحكمة الشرعية في بلدة بيرزيت القريبة من مدينة رام الله، لإتمام إجراءات طلاقها من زوجها، بعد أن أعفته من «النفقة». طلبت إذناً من مديرة المدرسة، على أن تعود بعد ساعة، لكنها لم تعد، فزوجها، وفي شكل غير مبرر، ذبحها في وضح النهار وأمام الموجودين في مبنى المحكمة، بعد أن حكم لها القاضي بالطلاق. وفي مخيم قلنديا للاجئين قرب القدس، وبعد شجار بينهما، قتل الزوج زوجته العشرينية خنقاً، أما شارع المكتبة العامة في وسط رام الله فكان شاهداً، قبل ذلك، على ذبح زوج زوجتَه، بعد أقل من ثلاثة أشهر على زفافهما، في حين كانت إحدى قرى محافظة الخليل مسرحاً لجريمة قتل، قام بها شاب بحق شقيقتين، إحداهما فارقت الحياة بعد أن هشّم رأسها بحجر كبير، إثر مقاومتها لمحاولة اغتصابها وشقيقتها التي تصارع الموت، منه. وشهد شهرا نيسان (أبريل) وأيار (مايو) الماضيين، حوادث قتل لم تشهدها فلسطين منذ عقود، خصوصاً تجاه النساء، ما دفع إلى إطلاق مبادرات فردية وجماعية، وإحتجاجات ومسيرات ووقفات نسوية في غالبها ضد هذه «الظاهرة»، التي لم تهمل سياسياً، إذ قرر الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلغاء ما يُعرف بقانون العقوبات الأردني للعام 1960، المعتمد في الضفة الغربية، بـ «العذر المخفف» في ما يتعلق بجرائم قتل النساء المسماة «جرائم الشرف»، التي يتذرّع بها مرتكبوها زوراً أحياناً، للإستفادة من هذا «العذر»، وبالتالي الخروج من دوامة الحكم على القاتل قتلاً عمداً بالسجن المؤبد أو لسنوات طويلة، في ظل تعطيل حكم الإعدام في الضفة الغربية، بحيث لا تزيد العقوبة إذا ما كانت الجريمة «شرف» عن السجن أشهراً معدودة. وباتت جرائم القتل تؤرق المجتمع الفلسطيني في شكل لافت. فقد انعكست على مختلف جوانب الحياة، وتعدّت أحاديث الصالونات والمقاهي حتى لامست النكات، والأشعار، ولوحات الفنانين، والرسومات الكاريكاتورية. فما إن يخــفت الحديث عن جريمة بشعة، تطفو على السطح جريمة أخرى، منها حبس شاب لوالدته داخل غرفة وإحراقها، فنقلت إلى المستشفى بحالة حرجة، كما حال الزوجة التي أحرقها زوجها في قطاع غزة بسكب مادة مشتعلة على جسدها وإلقاء سيجارته تجاهها بعنجهية صلفة. سمر عوض الله، منسّقة الحملة الوطنية لإقرار قانون العقوبات، أشادت بقرار الرئيس عباس، لكنها اعتبرته غير كافٍ، فالحملة «تطالب بإجراء التعديلات القانونية على جميع القانونية المتعلّقة بالجرائم ضد النساء، التي تستخدم كذرائع للإفلات من العقاب الرادع، وليس المادة 98 من قانون العقوبات الأردني فحسب، وإصدار رزمة التشريعات والقوانين المتعلقة بأمن النساء عموماً، وهو ما قد يضمنه قانون العقوبات الفلسطيني المقترح». بدوره أشار إسماعيل حمّاد، المستشار القانوني لوزارة شؤون المرأة الفلسطينية، إلى أن التشريعات القانونية المعمول بها لا تجعل الفلسطينيين، ربما كونها موروثة وقديمة، يشعرون بالأمن الإنساني العام، والعدالة في المجتمع، فيما تعاني النساء خصوصاً من طبيعة هذه القوانين التي عدّلت مرات في «بلدانها الأم» (الأردن ومصر مثلاً)، متحدّثاً عن فراغ تشريعي كبير لا يزال في حاجة إلى حلول تضمن العقوبة الرادعة للقتلة، لا سيما قتلة النساء تحت ذريعة «الدفاع عن شرف العائلة». واعتبر حمّاد قرار الرئيس الفلسطيني خطوة مهمة يجب المراكمة عليها في هذا الاتجاه، وإستجابة لجهود الحملة الوطنية لإقرار قانون العقوبات. وأطلقت مؤسسات أهلية، نسوية في غالبيتها، الحملة الوطنية لإقرار قانون العقوبات، في ضوء تزايد حالات قتل النساء في السنوات الثلاث الأخيرة، وكثرت هذا العام «في شكل مبالغ فيه»، كما أشارت عوض الله، والتي توجهت إلى منظمة التحرير الفلسطينية لوضع حد لهذه الجرائم والحصول على نوع من الحصانة السياسية، واعتماد ميثاق شرف لحماية المرأة في المنظومة التشريعية الفلسطينية، عبر قانون رادع يحاسب المجرمين. ووقّع عليه أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وممثلو الفصائل والقوى والأحزاب السياسية، ومكونات المجتمع لتحمّل المسؤوليات تجاه هذه الظاهرة، ويعمل على تعميمه ليحظى بشرعية شعبية. وحتى إنجاز «رزمة التشريعات»، خصوصاً في ظل تعطّل المجلس التشريعي بسبب الإنقسام الداخلي، واقتصار السلطات التشريعية للرئيس على حالات الضرورية، تبقى الفلسطينيات في دائرة القتل، في موسم دموي باتت السكاكين، و «البلطات»، والمواد المشتعلة أو الحارقة، والأيدي الخانقة فيه، العناوين البارزة والمرعبة التي تقض المضاجع. فلسطينمجتمع