تكثر القضايا التي يمكن جمع التبرّعات لها في لبنان، من النازحين السورين الذين يعيشون في أوضاع صعبة إلى الفقراء المنتشرين في معظم المناطق، وصولاً إلى حالات المرض التي لا تستقبلها المستشفيات بحجّة عدم توفّر المال لتأمين الرعاية الصحّية. ويُضاف الى ذلك مواضيع أخرى تُعتبر أيضاً «جاذبة» للتبرّعات مثل بناء مسجد جديد أو كنيسة مع كلّ ما يمكن ترداده من شعارات دينية في هذا المجال. والجديد ليس في هذه المواضيع التي طالما جذبت أموال عمّال الخير و «الأيادي البيض»، إنما في الأساليب المُستخدمة لجمع التبرّعات. فبدل الوقوف على الطرق والمرور بالصناديق أمام المارة، وبدل استخدام الإتصالات الهاتفية لاستعطاف اللبنانيين، بات هناك نهج جديد قائم على التبرّع الالكتروني. فاللبنانيون صاروا على موعد شبه يومي مع صفحات جديدة على مواقع التواصل الإجتماعي الهدف منها التبرّع إلكترونياً لجمعيات ومنظّمات تتّخذ اتجاهات مختلفة من ناحية طبيعة العمل والمواضيع التي تتطرّق إليها، أو حتّى أشخاص يقولون عن أنفسهم أنّهم لا يريدون إلا عمل الخير وبما أنّهم لا يؤمنون بما تقوم به الجمعيات الأهلية قرّروا أخذ مبادرة جمع التبرّعات بأنفسهم، لأنّهم أكثر أماناً ودقّة في توزيعها على المحتاجين. وتذيّل هذه الإعلانات بأرقام هواتف نقّالة أحياناً مع بريد إلكتروني ورقم الحساب المصرفي. كما يمكن أن تكون طريقة الدفع أحياناً عبر شركات تحويل النقود لتفادي المعاملات المصرفية. وأكثر ما يلفت في هذه الصفحات التجاوب الكبير معها سواء من قبل اللبنانيين أو المواطنين من مختلف البلدان العربية، خصوصاً إذا كان الأمر يرتبط بالنازحين السوريين أو اللاجئين الفلسطينيين. لكن هل كلّ هذه الحملات حقيقية أو أنّ بعضها ليس إلا وهماً والقصد منها الإحتيال وجمع الأموال على حساب القضايا التي تستعطف مشاعر الناس؟ في أي مكان وزمان لا شكّ في أنّ التبرّع الإلكتروني فتح المجال أمام منظّمات وجمعيات أهلية لتنمو وتطوّر أعمالها، فبدل أن يضطر الشخص للتوجّه إلى المصرف والإنتظار لإيداع المال في حساب أي جهة، يمكنه الآن خلال ثوانٍ تحويل المال من بطاقته الإئتمانية. وتماماً كما تطوّرت التجارة الإلكترونية للسبب عينه، كذلك فإنّ المنظّمات تعتمد أكثر فأكثر على التبرّع الالكتروني. لكن لا يمكن أبداً وضع صفحات التبرّع كلّها في إطار واحد، فهناك جمعيات ذات تاريخ طويل وعريق تعتمد هذه الطريقة اليوم في لبنان ما يسهّل التبرّع على محبّي الأعمال الخيرية ويوفّر على الجمعية عناء توظيف أشخاص لجمع التبرّعات. وكما يشرح سلمان كرم المدير المالي لجمعية أهلية تُعنى بالمعوّقين، فإنّ التبرّع إلكترونياً عبر البطاقة الإئتمانية بات متوافراً ما يساعد الأشخاص المسافرين أو غير القادرين على التنقّل في مساعدة محتاجين. لكنّ الجمعية كما غيرها من الجمعيات الأهلية المعروفة حرصت على وضع المعلومات بدقّة متناهية، ونشرت العلم والخبر الخاص بتأسيسها مع إتاحة سبل التواصل كلها مع المواطنين. ويلفت كرم إلى أنّ حملة التبرّع تنطلق ضمن إطار محدّد ومشروع معيّن، ما يساعد المتبرّعين على متابعة مراحل المشروع والتدقيق بها ومحاسبة القائمين على الجمعية في حال لم ينفّذ المخطّط. وعلى الصعيد الفردي، فقد سجّلت حملة تبرّع إلكترونية لافتة خلال الأشهر القليلة الماضية. وهي كانت تهدف إلى تأمين المال لإجراء عملية زرع نقي العظم لمسعف شاب اسمه سيمون بدوي، واستطاعت الحملة أن تصل الى جمع تبرّعات تكفي للعلاج، وذلك عبر الموقع الإلكتروني fundrazr.com. وأثبت القائمون على الحملة صحّتها من خلال تحديد المستشفى الذي يُعالج فيه سيمون ورقم ملفه، ما يتيح لأي شخص التأكّد من وجوده ومرضه، إضافة إلى تبنّي أهل سيمون الحملة ودعمهم لها. وقد وصلت التبرّعات من مختلف بلدان العالم، وتوقفت الحملة حين وصل المبلغ إلى الحدّ المطلوب لإجراء الجراحة، إثباتاً لصحّة الحملة ودقّتها. لكن إذا كانت مثل هذه الحملات صادقة، فكيف يمكن إكتشاف الحملات الوهمية؟ التمييز بين الحقيقي والمزيّف إنّ وجود حملات إلكترونية حقيقية وموجهة فعلاً للمساعدة لا يعني إزالة طابع الإحتيال عن حملات أخرى. فقد رصدت «الحياة» انتشار عدد كبير من حملات جمع التبرّعات المالية على المنتديات الإجتماعية ومواقع التواصل، لا ترتبط بأي جمعية أهلية موجودة فعلياً، بل هي أشبه بمبادرات فردية من دون ذكر اسم الأشخاص القائمين عليها أو استخدام أسماء مستعارة. وهذا ما يخصّ تحديداً الصفحات التي أنشئت لمساعدة النازحين السوريين، وتجاوز عددها العشر صفحات. وتكمن المشكلة في عدم تدقيق المواطنين في الجهات التي تدير مثل هذه الصفحات لاكتشاف غاياتها الربحية، إنما يكون هناك تأثّر بالصور المنشورة والكتابات التي تعبّر عن الحزن الذي يعيشه النازحون. فتستثير مثل هذه الصفحات العواطف وتحاول إستغلال الجهل حول التبرّعات الإلكترونية لتحقيق أكبر قدر ممكن من الربح. وفي هذا السياق، يشرح الخبير المعلوماتي فضل إسحاق سبل تجنّب الوقوع فريسة مثل هذه الصفحات والمواقع التي تتستّر وراء البعد الإنساني. فأول ما يجب فعله التدقيق في تاريخ إنشاء الصفحة والجهة التي أنشأتها، لأنّ من يريد إنشاء صفحة أو موقع وهمي يسعى غالباً إلى إخفاء هويته أو التستّر وراء اسم مستعار. كما يجب البحث عن رقم الهاتف الذي يشكّل طريقة التواصل مع الجهة المعنية، فإذا كان لم يُكتب يجب اعتبار ذلك مؤشراً لوجود احتيال. كما يلفت إلى أهمية مراقبة الصور المنشورة، وإذا كانت تشير إلى مناسبات معيّنة أجرتها الجهة المعنية بالتبرّعات، أو أنّها صور تمّ تنزيلها من المواقع الإلكترونية. إضافة كلّ ذلك، لا بدّ أن يتذكّر كلّ مواطن أنّ من حقّه أن يطلب رقم العلم والخبر من الجمعية التي تريد تحصيل التبرّعات، مع طلب إيصال بالمبلغ الذي يدفعه. ويذكّر إسحاق بحقّ كلّ مستخدم لموقع «فايسبوك» تحديداً أن يُعلم إدارة الموقع بوجود صفحة تثير الريبة وهي تهدف إلى الإحتيال وجمع الأموال بطريقة غير شرعية ليتمّ إقفالها. لبنانالانترنتمجتمع