×
محافظة المدينة المنورة

طوارئ «فرضية» بمطار الأمير عبدالمجيد

صورة الخبر

صدر في السعودية قبل أيام بعد موافقة الملك، مشروع تعليمي باسم: «مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم العام». المشروع ضخم بالمنجزات التي يعد بها، وبالمبلغ المالي الذي رصد له، وهو 80 بليون ريال سعودي، أو ما يعادل أكثر من 21 بليون دولار أميركي. هذا المبلغ مخصص لفترة خمسة أعوام فقط، أي بمعدل 16 بليون ريال سعودي كل عام. كانت بداية مشروع تطوير التعليم عام 2007، ورصد له آنذاك 9 بلايين ريال، هذا إلى جانب الموازنة السنوية للتعليم. في موازنة العام الماضي مثلاً كان نصيب التعليم العام والعالي معاً 25 في المئة من إجمالي حجم الموازنة، أو 204 بلايين ريال. هذه الأرقام مثال على حجم المخصصات المالية التي ترصدها الدولة للصرف على التعليم وتطويره، بل إن هذه النسبة من المخصصات لم تتوقف لأكثر من 20عاماً الآن. على رغم ذلك هناك ما يشبه الإجماع، حتى داخل مؤسسة التعليم، بأن النتيجة التعليمية أقل بكثير مما صرف عليها حتى الآن. أين تكمن مشكلة التعليم؟ ليست في توافر الموارد المالية، ولا حتى الموارد البشرية، وإنما في مكان آخر. وهذا المكان الآخر هو ما ينبغي أن يكون في بؤرة اهتمام المختصين. الشائع أن العقدة التي لم يتخلص منها التعليم العام أنه في المحصلة النهائية نظام تلقين للمعلومة، وليس نظام تدريب على مهارة التفكير في هذه المعلومة. هناك فارق بين حفظ المعلومة وتلقينها، الحفظ آلية للتخزين وقت الحاجة، يغني الذاكرة ويوسع من قدراتها وينشط حيويتها. أما التلقين فهو منهج معرفي جامد. لا يمكن المبالغة في تأكيد أهمية المعلومة بالنسبة للإنسان، لكن التعامل معها بمنهج التلقين يحيد بعدها الاستراتيجي، لأنه يقصر أهميتها في حدود القدرة على استعادتها كما هي، وليس التفكير فيها، وفي العلاقات التي تربطها بغيرها من المعلومات. خطيئة التلقين أنها تختزل العقل في الذاكرة، وتجعل من الأخيرة وقدرتها على الاستعادة بديلاً عن مهارة إعمال العقل بكل آلياته ومكوناته في ما تختزنه من كم هائل من المعلومات والرموز والأفكار. هذا في حين أن تنمية وتطوير مهارة التفكير في المعلومة، وليس تخزينها فحسب هو لب العملية التعليمية. وهي مهارة تتدرج في حجمها وفي مداها وتعقيدها من المراحل الأولى للتعليم وحتى التعليم الجامعي والدراسات العليا. ينبغي التمييز بين ثلاثة: المعلومة، والعلم، والمعرفة. المعلومة هي المادة الخام مثل الأسماء، والأحداث، والأرقام، والظواهر، إلخ. والعلم هو المنهج الذي بواسطته يتم جمع المعلومات وإخضاعها للدراسة والتحليل. أما المعرفة فهي نتيجة التقاء المعلومة مع العلم، أو تفسير المعلومات ومعرفة دلالتها، ودلالة العلاقات في ما بينها. العامل المشترك بين هذه المفاهيم، أو العمليات الثلاث هو التفكير. من دون مهارة التفكير، وخارج نطاق هذه المعادلة الثلاثية، يصبح التلقين آلية بلهاء لاستعادة المعلومة كمادة خام. كثيراً ما ينسى الإنسان معلومة تاريخية أو جغرافية أو كيميائية، لكنه قليلاً ما ينسى طريقة التفكير، ومنهج التفسير والتعليل مهما بلغ من البساطة أو التعقيد. والحقيقة أن الإنسان لا يحتاج إلى المدرسة ولا إلى الجامعة للحصول على المعلومة، بخاصة في عصرنا الحالي، لكنه في أمس الحاجة إلى المدرسة والجامعة لتعلم مهارة التفكير وإعمال العقل، ولاكتشاف الطاقات الكامنة في داخله للتحليل والتفسير. وعندما لا يجد الإنسان في المدرسة أو الجامعة هذا المبتغى فهو يعني أن التعليم تخلى عن مهمته الأولى والاستراتيجية. المجتمع وثقافته وليس التعليم هما المصدر الأول لمنهج التلقين، وهذا واضح في حال المجتمع السعودي. تسرب هذا المنهج من المجتمع إلى التعليم يعني أن الأخير تخلى عن دوره وقبل بالخضوع لهيمنة المجتمع بدلاً من أن يعمل هو على تغيير المجتمع وثقافته. ومن حيث أن هذا لا يحصل بشكل عفوي، وإنما على يد قوى وتيارات ترى مصلحتها في ذلك، فإنه يفسر ما قاله الوزير الجديد للتربية الأمير خالد الفيصل، بأن التعليم تم اختطافه من تيارات متشددة في المجتمع.وتمت عملية الاختطاف عبر أكثر من نصف قرن، داخل مؤسسة من مؤسسات الدولة معنية بتربية أبنائها وتشكيل وعيهم. والأغرب أن هذا تم بموافقة الدولة وتمويلها. ومن ثم يوحي ليس أكثر؟ تصريح الأمير خالد بأن الدولة بدأت تدرك خطأ، بل كارثة ما كان يحصل. ماذا يعني ذلك؟ يعني أمرين: الأول أن الدولة على رغم حرصها على التعليم، وسخائها اللامحدود معه، إلا أنها لا تملك مشروعاً واضحاً لهذا المرفق الاستراتيجي. والحقيقة أنه من دون أن يكون للدولة مشروع اقتصادي وسياسي أشمل ينتظم فيه التعليم، ويلعب فيه دوراً محورياً، فإنه يصعب أن يكون للتعليم مشروع خارج هذا الإطار.والأمر الثاني، وهو ناتج من الأول، ارتباك دور التعليم وتعثره بين مهمتين عادة ما يضطلع بهما التعليم، ويبدو أن كل واحدة منهما تتناقض مع الأخرى.المهمة الأولى تطوير وتغيير المجتمع بما يخدم أهدافه في النمو والتقدم.والمهمة الثانية، من ناحية أخرى، هي المحافظة على كيان الدولة، وعلى هوية المجتمع وثوابته الاجتماعية والثقافية والسياسية التي انبثقت منها الدولة.ليس من الضرورة أن يكون هناك تناقض بين مهمتي التغيير والمحافظة. يعتمد إمكان التناقض بينهما بشكل أساسي على ما هو مطلوب من التعليم أن يغيره من ناحية، وما هو مطلوب منه أن يحافظ عليه، ويعيد إنتاجه من ناحية أخرى. مثال التلقين، وهو مجرد مثال، كشف ارتباك التعليم وتناقض دوره. وذلك لأنه لم يكن امتداداً لمشروع أكبر للدولة، وإنما لتيار ديني متشدد أربك التعليم ودوره التنموي. إذا كان التعليم يقع في القلب من عملية بناء الدولة وتطورها واستقرارها، فإن عدم وجود مشروع للتعليم ينطلق من رؤية علمية واضحة، ويتجه إلى هدف وطني أوضح، يشير إلى أن الدولة لا تملك مشروعاً أشمل، اقتصادياً وسياسياً وعلمياً، ينتظم فيه التعليم، ويعمل وفقاً لأولوياته وأهدافه. ماذا عن المشروع الأخير لتطوير التعليم بموازنته الضخمة؟ ذكر الأمير خالد الفيصل في مؤتمره الصحافي أربعة محاور للمشروع:المعلم، والطالب، والتنظيم والإدارة، والمباني المدرسية. تكشف تفاصيل المشروع أنه يركز في معظمه على تطوير البنية التحتية مثل استكمال بناء المدارس، وتزويدها بكل مستلزماتها بخاصة أجهزة الكمبيوتر، وشبكات الإنترنت، وربط المدارس بالإنترنت والتعليم الإلكتروني، وإنشاء مدارس لذوي الاحتياجات الخاصة، ومدارس أخرى للموهوبين والمميزين إلخ. من هذه الناحية لا يختلف المشروع عن مشاريع الدولة الأخرى التي تركز في غالبيتها الساحقة على تطوير البنية التحتية. ليس هناك شك في أهمية البنية التحتية واستراتيجيتها، لكن ماذا عن المضمون التعليمي لمكونات هذا المشروع؟ كيف ستختلف عن الماضي؟ ماذا عن المناهج؟ وعن مفهوم التعليم ذاته؟ ماذا عن ثلاثية المعلومة، والعلم، والمعرفة؟ أين سيكون موقع التفكير الديني في هذه الثلاثية؟ هل سيبقى كما أراده من اختطف التعليم؟ كيف ستكون العلاقة بين حاجات الدولة، وحاجات السوق عموماً وعملية التعليم؟ ثم كيف سيتم التعامل مع مهارة التفكير في المعلومة لدى الطالب والطالبة، بما في ذلك المعلومة الدينية، بدلاً من الاكتفاء بتخزينها في الذاكرة؟ هناك عنصر مهم في المشروع الأخير ذكره الأمير خالد، ولا يقع تماماً في دائرة البنية التحتية، وهو ابتعاث 25 ألف معلم ومعلمة خلال خمسة أعوام للتدريب في مدارس الدول المتقدمة، إلى جانب الاهتمام بإنشاء مدارس لذوي الحاجات الخاصة، وأخرى خاصة بالموهوبين والمميزين. لكننا لا نعرف بعد عن هذه المواضيع إلا عناوينها. تدريب المعلم والمعلمة قد لا يبتعد كثيراً عن دعم البنية التحتية اعتماداً على ما سيدرسه كل منهما بطرق التدريس الجديدة. هل هو استجابة لتغير متوقع في مفهوم التعليم؟ أم طريقة جديدة لتكريس المفهوم المتبع الذي نعرف نتيجته؟ مبادرة مدارس الموهوبين والمميزين جديدة ولافتة، لكن ما هي معايير الموهبة والتميز؟ هذه وغيرها أسئلة ستظل قائمة طالما أن مشروع تطوير التعليم ليس جزءاً من مشروع إصلاحي أشمل للدولة ينتظر دوره في التبلور. .. الحياة