يعرف الشعب المغربي الشقيق بكرم الضيافة، ومن مظاهر ذلك الإكرام تقديم (الأتاي)، أي الشاي المغربي المعروف لدى الجميع، وهو في الأصل شاي صيني إلاّ أنه يضاف إليه النعناع، وفي بعض الحالات تضاف كذلك أنواع من الزهور أو الأعشاب العطرية، ويمكن شربه بالسكر أو دون سكر وهو ما يسمى (بالمسوس). والشاي في العموم وصل إلى بلاد المشرق الإسلامي من الصين والهند عن طريق البر، لكنه وجد منافسة كبيرة من القهوة اليمنية التي كانت منتشرة منذ القرن الخامس عشر، وقد استخدمه المتصوفة للمساعدة في اليقظة وإعانتهم على التعبد، كما أن الأتراك قد استخدموا القهوة لمساعدة الجنود على الانتباه عند مجابهة العدو، وقد وصل الشاي ومعه القهوة إلى المناطق التي كانت تحت الحكم العثماني مثل تونس والجزائر، فلم يهنأ الشاي بالانفراد والسيطرة. أما في المملكة المغربية الشقيقة فإن الحال يختلف، فالعثمانيون لم يصلوا إلى المغرب، بفضل السياسة الحكيمة الذي انتهجها الوطاسيون لتلافي توسع الحكم العثماني إلى ديارهم، لكن الشاي دون القهوة قد وصل إلى المغرب من خلال الإنجليز على أصح الأقوال، ويذكر لنا التاريخ أن ملكة بريطانيا وايرلندا (آن ستيوارت” (1702-1714) قد أرسلت هدايا إلى المولى إسماعيل أحد ملوك المغرب العلويين، ومن بينها الشاي، كما أرسلت معه إبريقين نحاسيين كبيرين، وكان لتلك الهدية غاية سياسية، فقد كان هناك تسعة وستون أسيراً بريطانياً لدى السلطان المغربي، والذي رفض إطلاق سراحهم، فجعلت من الشاي وسيلة استعطاف. لكن ذلك لم يحقق الأمل المطلوب، وإن كان الأمر قد تحقق فيما بعد. لقد كانت إسبانيا والبرتغال سيدتي البحر، وقد بدأ الإنجليز بإزاحتهما في عهد الملكة إليزابيث الأولى (1558 - 1609) وكونت بريطانيا مستعمراتها في أمريكا الشمالية، كما أن الطلب على التوابل والمنتجات والشاي قد دفعها إلى أن تتوجه إلى الهند والصين. لقد ظل الشاي مستخدماً في المغرب وفي بلاط السلطان، وعند الخاصة، بينما لم يكن لسائر الشعب حظ من ذلك، وكان الشاي ضمن الهدايا التي يقدمها الدبلوماسيون الأوروبيون إلى البلاط، والوزراء، ولم ينتشر شرب الشاي عند العامة إلا من القرن العشرين، وربما أواسط ذلك القرن. لكنه وجد رواجاً كبيراً في جميع مناطق المغرب، سواء شماله مثل طنجة وتطوان أو وسطه مثل الدار البيضاء والرباط أو جنوبه مثل أكادير والعيون والداخلة، إلاّ أن له طقوساً في الإعداد والتقديم تختلف من إقليم إلى آخر، ففي الجنوب المغربي، يحضر المضيف الشاي بنفسه لضيفه، بطريقة متأنية وهادئة، ولا بد للضيف من شرب ثلاثة أكواب مركزه قليلة الماء كثيرة السكر. والمغاربة الأشقاء في الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب يقدمونه مع مأكلهم ظناً منهم أنه يساعد على الهضم، لا سيما إذا كانت الأطباق دسمة، وغالباً ما يختم به المضيف جلسة الغداء أو العشاء المعدة للضيف. أما جلسات السمر المعتادة في الصحراء بالجنوب المغربي، فإن السمر في الخلاء تحت ضوء القمر أو ظل الخيمة لا يحلو إلاّ بتناول الشاي، والاستمتاع بتحضيره وتقديمه وتناوله مع تبادل الأحاديث والأشعار. ويقول الشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي شعراً يقارن فيه بين الشاي وكؤوسه، والخمر وأقداحه: لئن كان غيري بالمدامة مولعاً فقد ولعت نفسي بشاي معطر إذا صب في كأس الزجاج حسبته مذاب عقيق صب في كأس جوهر به احتسي شهداً وراحاً وسكّراً وأنشق منه عبق مسك وعنبر ولكنه يستمر في مقارنته ليبلغ القارئ أن الشاي بخلاف الخمر لا يذهب بالعقل مع استمرار المتعة بشربه، وكذلك قدرته على تنشيط الفكر. فيقول: يغيب شعور المرء في الكؤوس الطلا ويصحو بكأس الشاي عقل المفكر وهناك شاعر مغربي أدلى بدلوه في هذا المضمار، وهو الشاعر سليمان الحوات الشفشاوني الذي قارن بين الشاي والخمر، ونصح المدمنين على الخمر أن يستبدلوه بالشاي للحفاظ على دينهم وعقولهم. فيقول: دعوا شربكم للخمر فالخمر مسكر وفي الشرع كل المسكرات حرام وهيموا بشربكم أتاي فإنه حلال وليس في الحلال ملام ولقد وقع تحت يدي مخطوطاً عن الشاي فيه بعض من الشعر، فلعلني أجد ما يكفي من الوقت لتحقيقه، إذا لم يسبقني أحد إلى ذلك. وفي الختام فإن الشاي في المغرب ما زال مشروباً رئيساً مهيمناً على غيره، لكن في الفترة الأخيرة أخذت القهوة تظهر بشكل قليل جداً، ولا شك أنها قد جاءت مع ما جاءت به الثقافة الأمريكية التي عمت العالم في المأكل، والمشرب، والسماع، وربما الفكر، ولكن سيظل الشاي لدى الشعب المغربي الشقيق، المشروب المفضل.