النسخة: الورقية - سعودي التصعيد الإقليمي والدولي ضد سورية يهدف إلى تحويلها إلى دولة فاشلة ويعطي دلالة واضحة على عزم القوى العظمى استكمال استراتيجيتها؛ لإسقاط ما تبقى من أنظمة فاعلة في الخليج والشرق الأوسط بأي ثمن، بصرف النظر عما حققه النظام السوري من انتصارات. عدم سقوط النظام السوري أعاق الخطة الأميركية التي بدأت باحتلال العراق عام ٢٠٠٣، ثم أعقب ذلك تساقط الأنظمة في دول «الربيع العربي»، وكان من المقرر أن ينتهي تسلسل المخطط بتطويق ومحاصرة السعودية. لكن صمود النظام السوري خلط الأوراق وغيَّر المعادلة فتبدل التكتيك. أما الإستراتيجية والأهداف فلم تزل ولم تتبدل، ولذا يتم الانتقال إلى الخطة «B» لمحاصرة محيط السعودية بمثلث دول فاشلة: اليمن، وليبيا وسورية؛ لكي تكون ملاذاً للجماعات الإرهابية تربك الأمن والاستقرار وتستهدف السعودية. وقد سبق أن جادلنا بملامح تلك الاستراتيجية في مقالة تحليلية قبل 12 عاماً ما مفاده بأن هناك «رغبة أميركية جامحة للقيام بتغيير جذري في المنظومة السياسية لمنطقة الخليج والشرق الأوسط يبدأ من العراق مروراً بسورية والسعودية ومصر، يكون أكثر ليبرالية تجاه المصالح الأميركية وأكثر قمعاً تجاه المتشددين القوميين والإسلاميين»، وأيضاً حل المعضلة الأمنية الإسرائيلية بعدد من الترتيبات في النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية والديموغرافية». (العدد ٨٧٢١، ١٤ أكتوبر، ٢٠٠٢، الشرق الأوسط). وعوداً إلى الحاضر، فإن التبدل المفاجئ للموقف الأردني بطرد السفير السوري في عمان واستمرار مناورات «الأسد المتأهب» في شمال الأردن، ودخول لبنان مرحلة الفراغ الرئاسي من دون بوادر انفراج، ومواقف فرنسا الجديدة نحو تبني ائتلاف المعارضة السورية المتهالك بشكل أكثر حدة وهجومية، والتكتيك السياسي الجديد للولايات المتحدة لتدريب ما يسمى المعارضة المعتدلة وتخصيص خمسة آلاف مليون دولار لمكافحة الإرهاب، وما يجري من مقايضات وعض أصابع بين روسيا والغرب في أوكرانيا، يوحي برغبة دولية تجاه إطالة أمد الفوضى في الشرق الأوسط، وتحويل سورية إلى دولة فاشلة لكي يكتمل مثلث الإرهاب مع ليبيا واليمن وإسقاط النظام في السعودية. المحاولات الحثيثة لتحويل سورية إلى دولة فاشلة بعزلها عن المجتمع الدولي وتقسيمها وتضييق الخناق عليها بأساليب عدة سيكمل الطوق حول السعودية. الظهور المفاجئ للجنرال الليبي خليفة حفتر وانطلاق ما سمي بعملية الكرامة وعمليات الكر والفر بين القبائل والمقاطعات الليبية الغربية والشرقية وبوادر التقسيم ليس إلا تكريساً للدولة الفاشلة وإطالة لأمد العنف والإرهاب، وخطراً يهدد الأمن والاستقرار في مصر ذات الحمل الأمني والسياسي والاقتصادي الكبير. تبقى اليمن الدولة الفاشلة الثالثة التي عمّت فيها الفوضى وبوادر التقسيم ومحاولات الانفصال، وأمسى مقراً لتنظيم القاعدة في الجزيرة العربية وخنجراً في خاصرة السعودية يستنزف الكثير من الجهود الأمنية، لمواجهة التسلل عبر الحدود وتهريب الأسلحة وإيواء الفارين. «الشرق الأوسط الجديد»، و«الفوضى الخلاقة»، ليسا شعارات عربية شعبوية على غرار «إلقاء إسرائيل في البحر» أو «لا صوت يعلو على صوت القضية»، بل هي عناصر حاكمة في استراتيجية كبرى تعمل عليها القوى العظمى بثبات. ما جرى من أحداث في أفغانستان والعراق ومصر واليمن وليبيا وسورية يبين لنا أن أفغانستان تعني تشكيل منطقة عازلة عن شبه القارة الهندية في الشرق، وليبيا تشكل منطقة عازلة بين المغرب والمشرق العربي في الغرب، وأن سورية تشكل منطقة عازلة من الشمال عن تركيا الملحق الأوروبي، وكل تلك المناطق هي المحيط لمركز القوة المستهدف، وهي السعودية. أخيراً، لكل قوة سياسية مركز ومحيط، ومن أجل الوصول إلى المركز يستلزم العبث بالمحيط؛ لإحداث ارتباك وخلل في توازن المركز. هذا ما تهدف إليه الخطة «B» في استحداث وخلق مجموعة دول فاشلة تحيط بمركز القوة لخلخلته والإطاحة به. ومن هنا نجزم بأن تقارب السعودية مع إيران للوصول إلى تفاهمات تؤدي في نهاية المطاف إلى اتحاد سياسي واستراتيجي، وتنسيق مع مصر ودعمها مادياً ولوجستياً ومعنوياً، والإبقاء على سورية موحدة وقوية والحيلولة دون وقوعها في الفشل، سيجنب السعودية الخطر الوجودي والعناء الاستراتيجي والجهد السياسي. saudianalyst@