فوجئ سوريون كثيرون من المعارضين للنظام في بلادهم من صورة الانتخابات الرئاسية التي وصلت اليهم من بيروت يوم 28 أيار (مايو) الماضي، موعد تصويت المقيمين في الخارج، وسط حديث عن إغلاق حشود الناخبين، شوارع الدولة الجارة، وهو ما فرح له موالون للنظام باعتباره «صدمة للمعارضة». كذلك جاء التصويت في العاصمة الأردنية، بعد يومين من طرد المملكة للسفير السوري في عمان، فيما فضّت قوات الأمن هناك، اشتباكات بالأيدي أمام السفارة بين مؤيدين ومعارضين للنظام السوري على خلفية الانتخابات. ويعلق عبيدة، وهو ناشط مدني مقيم في بيروت على صفحته على «فايسبوك» بأن «الرئيس (الأسد) منتَخَب.. لكن الناخبين معيَّنون». ويقول عبيدة إنه لم يستغرب تلك الحشود التي قطعت طريق بيروت - دمشق الدولي، معتبراً ما جرى «نتاج عمل مخطط ومنظم، رعته أحزاب لبنانية موالية للنظام السوري، ودفعت مريديها لتنفيذه على معظم الأراضي اللبنانية». ويؤكد الشاب لـ «الحياة»، أنه منذ أكثر من شهر، قامت كوادر أحزاب موالية للنظام السوري، في الجنوب تحديداً، بطلب البطاقات الشخصية من العمال السورين في مناطقها أو لدى أرباب العمل المقربين من النظام، وتسجيلها في سجلات خاصة لأجل الانتخابات، رافق ذلك «ترغيب اللاجئين بالمساعدات أو ترهيبهم عبر تهديدات بالفصل من العمل والطرد من البيوت والقرى، أو حتى من لبنان وتسليمهم للنظام السوري». ووفق مشاهدات عبيدة الذي يقول إنه كان مقيماً في جنوب لبنان في الفترة الأخيرة، فإن هذه «الحملة المنظمة»، أجبرت الكثير من السوريين على الادلاء بأصواتهم، لافتاً إلى انه في اليوم السابق للإنتخابات، أعلن موالو النظام، عبر مكبرات الصوت في جوامع عدد من المناطق، أن «وسائل النقل ستمر بين الساعة 7 و 8 صباحاً، وكل من لا يستطيع المغادرة باكراً يمكنه الذهاب الى مقر حزب البعث في أقرب نقطة، حيث ستتواجد سيارات للنقل طوال النهار». ويضيف أن «مئات الحافلات والشاحنات المليئة بالعمال السوريين»، انطلقت من كل القرى الجنوبية ومناطق أخرى نحو بيروت، ومن ثم إلى السفارة السورية، رافعة «أعلام النظام وصور الأسد». وعلى رغم ذلك، ترى أطراف في المعارضة أن هناك مبالغة وتهويل في نسبة المشاركة، في وقت تفيد التقديرات بأن نصف المليون لاجئ سوري المسجلين في لبنان يحق لهم التصويت من حيث العمر. وفيما انتقد كثيرون، اللاجئين الذين صوتوا في الانتخابات هناك، رد آخرون بأن ثمة من له أسبابه وظروفه، وهو ما أجبرهم على الانتخاب، وهؤلاء «أولى بالتعاطف وليس الشتم» على حد قولهم. وفي الأردن، يقول رامي الحسين، أن النظام السوري مارس أيضاً ضغوطاً على لاجئين يسيّرون معاملاتهم في السفارة السورية هناك، كجوازات السفر وغيرها من الأوراق الرسمية الضرورية. وكما في بيروت كذلك في عمان، انطلق نقاش بين الناشطين حول ضرورة الالتفات بالفعل إلى حال هؤلاء والبحث جدياً في أسباب انتخابهم الأسد، بدل تخوينهم. ويعتقد الحسين أن المعارضة لم تستطع حتى اللحظة، تأمين مرجع بديل عن مؤسسات النظام الذي يتحكم بالسوريين داخل البلاد وخارجها. ويقول: «لو كان الائتلاف مثلاً أو الحكومة الموقتة قادرين على إصدار جوازات سفر وغيرها من الأوراق الثبوتية المعترف بها، لكان الوضع اختلف كثيراً». ويتفق عبيدة مع الحسين حول عجز المعارضة عن جذب «حاضنتها الشعبية وخصوصاً من الشباب أو تقديم بدائل مقابل الخسارة التي قد يتعرض لها بعض اللاجئين، جراء تسجيل موقف رافض للانتخابات». وعلى ما يقول ابراهيم الحسين، وهو ناشط مدني مقيم في تركيا، فإن «بعض السوريين للأسف، صار يرى الحل في بقاء بشار الأسد»، الذي خلف والده في الرئاسة منذ عام 2000، إثر استفتاء عام. ويضيف الحسين: «أخبرتني احدى الصديقات في لبنان أنها شاهدت لاجئين قدموا من المخيمات للتصويت للأسد»، مبررين ذلك بالقول: «ربما يكون فوز الأسد فرصة لانتهاء الحرب والعودة إلى بيوتنا». ويشرح الناشط لـ «الحياة»، أن هذه «نتيجة طبيعية بسبب الأداء المتردي للمعارضة السورية وانفصالها عن الواقع، وبعدها عن هموم الناس». كما تكمن المشكلة بحسبه «في افتقاد المعارضة للرؤية وتشتتها وعدم قدرتها على اتخاذ القرار»، لذلك ليست لديها قدرة المواجهة في مثل هذه المواقف، على حد وصفه. وفي حديثها عن موقف مؤسسات المجتمع المدني والناشطين، تقول رجاء التلي، من «مركز المجتمع المدني والديموقراطية في سورية»، إن البحث في جذور المشكلة أهم من البحث في تبعاتها، مشيرة إلى ضرورة «عدم شرعنة الانتخابات التي تجرى في شكل صوري، وهدفها فقط سلب السلطة والاقصاء». وتضيف التلي لـ «الحياة»، أن جزءاً من المعارضة والنشطاء يعتبر أن مجرد الحديث عن الانتخابات يعطيها شرعية، وتالياً، فضلوا عدم التطرق إليها، في حين أطلق ناشطون إعلاميون، حملات لاستنكارها، ووصفوها بـ «انتخابات الدم»، فيما أخذت بعض المنظمات كمركز المجتمع المدني والديموقراطية، موقفاً صريحاً بالدعوة الى عدم الاعتراف بشرعيتها. سورياشباب