كم نضيع من أوقات مفعمة بالطمأنينة، ونبدد لحظات من الاسترخاء الروحي وفيض الحنان والاحتضان عندما نفرط في جلسات هادئة نُصغي فيها إلى والدينا، وبشكل خاص إلى أمهاتنا، كم هي الغواية مريرة عندما نخدع بأنفسنا أننا كبرنا، أو بمعنى أدق «تكبرنا» عن نصائح وهمس وفيض عبارات اللاتي ولدننا، قد تكون الغواية في أجلى صورها عندما تكون في حوزتنا الزوجات فلا نرى من الأم إلا أحاديث دافعها غيرة شخصية ضد الزوجة، ومع أن هذه حقيقة لا يمكن إنكارها، و «غريزة» العزاء فيها أن الأم تحب طفلها الصغير القديم الذي أصبح رجلاً، لديه زوجة تستأثر بوجهه وحضوره الوقت كله أو جله، تؤجج من هذه العاطفة زوجات يسعين إلى زيادة تلك النار إشعالاً بالاستحواذ الأكثر وإبعاد الابن، وكثرة الإيحاء في أذنه بصلف الأم وسوء تقديراتها الدائمة، كان علينا كأبناء وكأزواج أن ننجح في إخماد تلك الحرب الباردة بين هاتين المتعارضتي المصالح، وأن نجيد المناورة فنمتص غيرة الأمهات بكسر جناح الذل والتودد العظيم حتى لو كان ذلك خلوة أو سراً، وبث الطمأنينة في روعها بأنها هي الأساس وعمود المنزل وبركة الدار، وأن كل نِعم تصيبنا هي بفضل استجابة الله لدعائهن، ثم إغداق أصناف التقدير والاحترام على الزوجة، وإكرامها والإشادة بها بعيداً عن أي زيف أو مبالغة. ليس من شيء يقصم ظهر العلاقة بين الأم والزوجة لمن قُدر له أن يجمع بين الاثنتين سوى تذكير كل طرف بمآسيه وأخطائه مع الطرف الآخر، كلما فعلت شيئاً من ذلك فكأنما تضع صخرة كبيرة فوق سقف منزلك، تزداد عدداً وثقلاً كلما كررت سلبيتك هذه. ما أروع أن تكون سفيراً دبلوماسياً بارعاً لإحداهما عند الأخرى؛ الدولتين العظيمتين التي أنجبتك والتي أنجبت لك.