لم ينفك رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون عن التلويح بسحب وزرائه من الحكومة، مع انه يدرك ان تهديده هذا يلقى معارضة من بعض حلفائه في قوى 8 آذار من ناحية، ومن «أهل بيته» من ناحية ثانية، وتحديداً من زعيم «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية الذي يرفض سحب وزيره من الحكومة باعتبار ان لا مصلحة له في إحداث شلل تام في السلطة التنفيذية... وبالتالي، فإن موقفه يشكل نقطة افتراق عن حليفه الذي أوقع نفسه في إرباك كان في غنى عنه. وتقول مصادر سياسية مواكبة للتقلبات التي تطغى على مواقف عون ان الأخير لن يجرؤ، على الأقل في المدى المنظور، على سحب وزرائه من الحكومة، وتعزو السبب الى جملة اعتبارات أبرزها: - ان عون لن يغامر في موقعه في الحكومة بالمبادرة الى الاستقالة غير المحسوبة، ما لم يضمن تضامن حليفه «حزب الله» وحلفاء حليفه في قوى 8 آذار، وهذا ما يدعوه الى التريث بدلاً من الهروب الى الأمام لأن أي قفزة الى المجهول سترتد عليه سلباً سواء في الداخل أو في الخارج. - إن عون الذي يجري حواراً مباشراً مع زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري من خلال مدير مكتبه نادر الحريري يدرك جيداً ان سحب وزرائه من الحكومة قد يؤدي الى وقف الحوار لأن ما يهم الحريري في الوقت الحاضر حماية مرحلة ما بعد الشغور في سدة الرئاسة وعدم تعريضها الى أي انتكاسة لقطع الطريق على احتمال العودة بالوضع الى الوراء بما يؤمن إصراره على ألا تكون فترة الفراغ مديدة وأن يصار الى انتخاب رئيس جمهورية جديد في أسرع وقت. - ان عون الذي يتطلع الى التربع على سدة الرئاسة الأولى باعتبار ان لديه فرصة أخيرة لا تعوض لانتخابه خلفاً للرئيس ميشال سليمان، يدرك في المقابل ان تسخين الفترة السياسية الراهنة بمواقف حادة سيفوت عليه هذه الفرصة، خصوصاً أنه سيطيح حواره مع «المستقبل». - ان عون، وإن كان يمارس سياسة حرق المراحل قبل أن تتبلور الصورة النهائية لملف انتخابات الرئاسة في محاولة للضغط على أطراف رئيسة في 8 آذار وأولها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لاستصدار موقف من حركة «أمل» مؤيد لترشحه، يعتقد ان تصحيح علاقته به لن يتحقق من خلال التهويل أو عبر ايقاع البلد في ارباك ظناً منه انه الأقدر على قلب الطاولة في وجه الجميع. - ان عون بدأ يدرك ان مشواره الى سدة الرئاسة يواجه عثرات، وبدلاً من أن يعيد النظر في حساباته لمصلحة التفاهم مع الآخرين على مرشح تسوية، سارع الى الدعوة الى اجراء انتخابات نيابية قبل انتهاء ولاية المجلس النيابي الممدد له لاعتقاده بأن نتائجها ستؤدي الى اعادة خلط الأوراق وتتيح له الوصول الى البرلمان بحصة نيابية راجحة تفوق حصته الحالية. لذلك، فإن عون وإن كان ينتظر بفارغ الصبر ما سيؤول اليه حواره المفتوح مع «المستقبل» لعله ينجح في تأمين رافعة لنفسه تزيل العقبات التي تعترض وصوله الى الرئاسة، فإنه في المقابل لم يبذل أي جهد في اتجاه مسيحيي 14 آذار، اضافة الى انه أسقط نفسه في «هفوة» جديدة عندما حاول تصويب ما قصده بالثلاثية التي تجمعه مع الحريري والأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله. وبدلاً من ان يصحح موقفه في هذا المجال راح يشعر الآخرين بأنهم ملحقون وأن هذه الثلاثية كفيلة بالضغط عليهم للصعود في القاطرة التي توصله الى بعبدا. كما ان المصادر نفسها تعتقد ان عون ليس في وارد التفريط بحواره المفتوح مع «المستقبل» او الانقلاب عليه، ليس لأنه سهّل تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة تمام سلام فحسب ومهد الطريق أمام الإفراج عن دفعة أساسية من التعيينات الإدارية والأمنية، وإنما لشعوره بعدم قدرته على استحضار الخطاب السياسي لتبرير قطع العلاقة مع خصم الأمس، بعد ان اعتبر أكثر من نائب في «تكتل التغيير» ان كتاب «الإبراء المستحيل» الذي أشرف على إعداده عضو التكتل ابراهيم كنعان وآخرون لم يكن سوى «هفوة» في سياق مواصلة عون حملاته على «المستقبل». وتؤكد المصادر عينها ان الحريري يحرص على استمرار حواره مع عون بصرف النظر عن «الريبة» التي أحدثها لدى حلفائه قبل خصومه وأن عودة الأخير الى الخطب «الشعبوية» قد لا تؤمن له الاصطفاف المطلوب من محازبيه بعدما اقنعهم بجدوى هذا الحوار. وعليه، فإن عون يحسب ألف حساب لضمان استمرار حواره مع «المستقبل»، لأنه، كما تقول المصادر، يريد ان يخفف من التصاقه بحليفه الاستراتيجي «حزب الله»، لمصلحة تحقيق توازن الحد الأدنى مع الحريري بعدما أخذ يشعر بأن عدم توازنه بات يشكل له إرباكاً لدى المجتمع الدولي ومعظم الدول العربية، وهذا ما تأخذه في الاعتبار الذي يبرر لها عدم حماستها لترشحه الى الرئاسة. لكن كل هذه المعطيات لم تدفع عون حتى الساعة الى ان يخطو خطوات ملموسة تؤمّن له اقامة توازن في علاقته مع الأطراف السياسيين المناوئين لـ «حزب الله». ويعود السبب - كما تقول المصادر - الى انه يبحث عن البديل لتحقيق التوازن من دون ان يعيد النظر في مواقفه، لأن أي تغيير سيؤثر في علاقته الاستراتيجية بالحزب. ناهيك بأن قيادة «حزب الله» تعرف كيف تدير علاقتها بعون وهي تقف الآن خلفه في معركة الرئاسة وترفض ان تتقدم عليه او ان تطلب منه إخلاء الساحة لمصلحة التفاهم على مرشح تسوية، ما لم يتخذ قراره في هذا الشأن بملء ارادته. ويفهم من موقف «حزب الله» من ترشح عون - وفق المصادر - انه يريد مكافأته على مواقفه منه، لا سيما طوال فترة تعرضه الى الانتقادات على خلفية مشاركته في القتال الى جانب النظام في سورية، وبالتالي لن يطلب منه الانسحاب من المبارزة الرئاسية حتى لو طال أمد الفراغ. وفي هذا السياق، يبدو أن «حزب الله» كما تؤكد المصادر لن يحيد عن موقف عون من سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام، مع ان جهات قيادية في 14 آذار وإن كانت تتطلع الى الحوار القائم حالياً بين رئيس كتلة «المستقبل» رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة ووزير التربية العضو في «تكتل التغيير» الياس بوصعب في محاولة للتوصل الى توازن بين الواردات المالية لتمويل السلسلة وبين النفقات المترتبة على اقرارها، فإنها لم تسقط من حسابها ان هناك من يريد تحويل هذه «السلسلة» الى «قنبلة موقوتة» ليس لتفجيرها في وجه الحكومة فحسب، وإنما لاستخدامها ورقة للضغط في الحسابات الرئاسية. وترى أن تفجير «السلسلة» في وجه الحكومة لن يكون لمصلحة عون، لأن اللجوء الى المزايدات والشعبوية في الدفاع عن الزيادات المقترحة عليها لن يكون مجدياً، إلا اذا قرر الخروج من معركة الرئاسة ولجأ الى شن حرب سياسية في كل الاتجاهات، مع ان مجلس الوزراء يحاول التوصل الى تفاهم يؤمّن ادارة مرحلة الفراغ من دون تعريض البلد الى هزات تفتح الباب أمام احتمالات ليست متوقعة، خصوصاً ان التهويل لا يصرف في المعركة الرئاسية. لبنانالحكومة اللبنانية