هل هي ساعة أم ليست ساعة؟ هل هو هاتف فيه ساعة وحاسوب وأشياء أخرى؟ أم هي ساعة فيها هاتف وحاسوب وأشياء أخرى؟ أم هو حاسوب فيه ساعة وهاتف وأشياء أخرى؟ أم هي أشياء أخرى.. بهذه الطريقة يتهكم السويسريون على "الساعة الذكية"، آخر صرخة لمنتجات شركة "أبل" الأمريكية التي أخَافَت صناعة الساعات السويسرية، وهو ما يقرُّ به السويسريون أنفسهم عندما يعودون بسرعة إلى طبيعتهم الجادة. عموماً، هناك رأيان داخل قادة قطاع صناعة الساعات السويسرية حول منتج "أبل" الذي أطلقته في التاسع من أيلول (سبتمبر) الماضي باسم "أبل ووتش"، أو ما اشتهرت به تحت مسمى "الساعة الذكية"، أو "الساعة المتصلة"، بل ذهب بعض السويسريين إلى تسميتها "آي ووتش"، نسبة إلى "آي فون" زيادة في التندر على هذا المنتج الذي يُقدِّم جملة واسعة من الوظائف والخدمات، إحداها قراءة الوقت. الرأي الأول، يرى أن منتج الشركة الأمريكية العملاقة، التي تمكنت من الاستحواذ على أغلب عوائد مواقع الموسيقى الرئيسة، التي أنزلت شركات عملاقة مثل "نوكيا" و"بلاك بيري" إلى قبو التاريخ، تفرض تهديداً على مستقبل قطاع صناعة الساعات السويسرية الذي درَّ على البلاد نحو 21.8 مليار فرنك (24.4 مليار دولار) في عام 2013 من الصادرات الخارجية فقط. الرأي الثاني، وهو الأوسع نطاقاً، يرى أنه لا يُمكن لـ "الساعة الذكية" أن تهدد تاريخاً عريقاً من صناعة الساعات في بلاد "ساعات الكوكو"، وهي "منتج هجين" لا يُماثل الساعة السويسرية، غير أن أصحاب هذا الرأي يقرّون أن "أبل ووتش" تُخيفهم "وإن كان قليلاً". وداخل الرأي الثاني، هناك تخوف عام من قوة شركات تقنية المعلومات والاتصالات عموماً، وما يمكن أن تطرحه من مفاجآت مستقبلية، ويدعو إلى إدخال التقنيات الحديثة في صناعة الساعات السويسرية التقليدية، وإجراء تحالفات مع هذه الشركات. وكانت رابطة صناعة الساعات السويسرية الأصعب في إبداء رأيها لـ "الاقتصادية" حول المخاطر التي يمكن أن تفرضها الساعة الذكية على أقدم قطاع صناعي في البلاد، قائلة "إن سياستها تقضي بعدم التعليق على منتجات الشركات الأخرى"، ومع ذلك ذكرت أنه إذا كان قطاع صناعة الساعات قد أُخيفَ قليلاً من قِبل منتج "أبل"، إلا أنه يرى في هذا الابتكار بمثابة "مُحفِّز" له أكثر من كونه خطراً. وأعطت الرابطة لـ "الاقتصادية" تقريرا تقييميا حول مستقبل صناعة الساعات السويسرية، أعدته مؤسسة ديلويت ـ سويسرا لمصلحتها، جاء فيه أن الساعة المتصلة تفرض معادلة جديدة لا يمكن النظر إليها كخطر، فهي غير قادرة على زعزعة صناعة الساعات السويسرية. لكن 44 في المائة من أصل 50 من كبار المديرين في قطاع صناعة الساعات الذين شملهم استطلاع ديلويت، الذي جاء تحت عنوان "دراسة ديلويت لعام 2014 عن صناعة الساعات السويسرية"، اعتبر أن ابتكار "أبل" الجديد بمثابة المنتج الكبير المقبل طبقاً لتعبير اقتصادي شهير يُشير إلى إلغاء منتَج من قِبل آخر أكثر كفاءة. ولفت ستيفان ليندر، رئيس شركة "تاك هيور" الراقية للساعات، إلى أنه يجب أن نكون يقظين ونستعد للمخاطر من هذه الثورة التكنولوجية. ويعتبر هذا هو الرأي الأكثر تشاؤما، وإن تم تحطيمه في فقرة أخرى في التقرير ذكرت أن "الساعة الذكية" لا يُمكنها أن تُنافس سوى أصناف الساعات التقليدية التي يقل سعرها عن 500 أو 1000 فرنك (562 أو 1124 دولاراً)، أي تلك التي يقع سعرها في مستوى سعر الساعة الذكية (سواتش، تيسو، سيرتينا، ميدو). وصدَّرت سويسرا في العام الماضي نحو 28 مليون ساعة، بيعت بسعر متوسط بقيمة 1500 دولار للقطعة، لكن 6 في المائة منها فقط أو ما يعادل 1.6 مليون ساعة، أسهمت وحدها في 65 في المائة من القيمة التي تم تصديرها. وحسب كارين سزيجيدي، الباحثة في مؤسسة ديلويت ـ سويسرا، والمشاركة في إجراء الدراسة، فإن هذه الفئة من الساعات لا تنمو سوى بضعف شديد، وأن إحصاءات التصدير عام 2013، تؤكد أن حجم مبيعات الساعات الميكانيكية بالسعر المرتفع يتقدم بشكل متواصل، في حين إن مبيعات الساعات الأرخص ثمناً التي تعمل بالبطارية التي تشتهر بمسمى "ساعات كوارتز" تتراجع. وفي فقرة متفائلة أخرى، أشارت الدراسة إلى أن ابتكار "الساعة الذكية"، يمكن أن يقدم فرصة جيدة للساعة التقليدية، حيث إن الشباب والمراهقين، الذين لا يستخدمون سوى هاتفهم الذكي لقراءة الوقت ولم يضعوا في معصمهم ساعة تقليدية مطلقاً، سيَمنحون السوق حياةً جديدة، لأنهم في هذا العمر لا يُمكنهم أن يرتدوا ساعة متصلة طوال حياتهم، خاصة أن ساعة "أبل" ستصبح عتيقة خلال عامين، بسبب سرعة التقدم التقني، ومن المرجح جداً أن يقتني هؤلاء ساعات تقليدية، وهي حقيقة ستستفيد منها صناعة الساعات السويسرية، والسنوات عنصر مساعد. ولم تظهر "الساعة الذكية" سوى في المرتبة التاسعة في ترتيب المخاطر التي يخشاها قطاع صناعة الساعات، الذي أسهم إلى حد كبير في صنع سمعة وثروة سويسرا، وعموماً فإن القطاع يرى أن الضغط على صناعة الساعات السويسرية يأتي من الفرنك القوي وليس من الساعة الذكية. من جانبه، قال، نيك حايك، الرئيس التنفيذي لمجموعة سواتش لمجلة "لا بدو" السويسرية الأسبوع الماضي، "إننا لسنا مذعورين، ولا في حالة عصبية، نحن لا نعيش حسب توقيت كوبيرتينو"، (كوبيرتينو مدينة أمريكية في "مقاطعة سانتا كلارا" في وادي السيليكون، في ولاية كاليفورنيا، يقع فيها المقر الرئيسي لشركة التفاحة المقضومة)، مضيفاً أنه "لا يمكن للساعات الذكية أن تهدد القطاع مثلما فعلت ساعات كوارتز اليابانية في السبعينيات. ويرى، حايك، أن الابتكارات تساعد على فتح أسواق جديدة والوصول إليها، معتبراً أن الساعة المتصلة ستقنع مزيدا من الناس بارتداء ساعة في المعصم، وما زال هناك كثير من المعاصم ينتظر الساعة التقليدية. وكانت الأساور الإلكترونية المصممة للرياضيين، الخطوة الأولى في طريق الوصول إلى "الساعة الذكية"، ثم ما لبث أن تم تطويرها إلى "ساعات متصلة" تقوم بمهام أكثر اتساعاً، تسمح بتلقي رسائل نصية قصيرة، ورسائل إلكترونية، أو نداءات هاتفية من دون أن تضطر إلى إخراج الهاتف المحمول من جيبك. وواجهت الأجيال الأولى من هذه الساعات صعوبة في الإقناع فكان لا بد من تطويرها، فخرجت "الساعة المتصلة" مزودة بأجهزة استشعار مختلفة تسهر على الشخص، وتراقب وضعه الصحي في جميع الأوقات، ففي الصباح تقيس نشاطه الجسماني، وفي الليل تراقب نوعية نومه عن طريق مراقبة التقلبات أثناء النوم، حيث تبقي عيناً مفتوحة على الوظائف الحيوية الرئيسة للجسم، خاصة ما يتعلق بمعدل ضربات القلب والضغط، وحتى السعرات الحرارية التي تحرق طوال اليوم. وعلى الرغم من تصريحات، حايك، فقد أعلنت شركته بعد وقت قصير من نزول ساعة أبل، أنها تعمل على إنتاج ساعة مزودة بوظائف تتعلق باللياقة البدنية، وأشار، حايك، إلى أن شركته تملك خبرة قوية في المكونات الإلكترونية. جان ـ كلود بيفير، رئيس مؤسسة "ال في أم أج" لصناعة الساعات الراقية، عبَّر عن خيبة أمل إلى حد ما بعدما شاهد ساعة أبل، فهي بالنسبة له ليست ناضجة تماما وأنثوية جداً، ووفقا لهذا المخضرم في صناعة الساعات السويسرية، فإن هذا المُنتَج لا يقدر أن يغير، ولا أن يحل محل الساعات السويسرية الفاخرة. وأضاف أن المنتج الفاخر أبدي، ومعمِّر، هو ليس شيئا يفقد قيمته في نهاية خمس سنوات، أما الساعة المتصلة، فهي مدانة لأن تصبح شيئاً عادياً بعد فترة من الزمن". وتقع قيمة الساعات التي تبيعها مؤسسة، بيفير، بين 1000 و7000 فرنك (بين 1123 و7865 دولارا)، مع نماذج يتجاوز سعرها 200 ألف فرنك (225 ألف دولار). وأشار بيفير إلى أن منتج أبل، حتى الآن وقبل كل شيء، عبارة عن حاسوب صغير يُلبس في المعصم بسمات موجودة في ساعات أخرى متصلة، في حين أن محبي الساعات الفاخرة يبحثون عن قطعة جميلة، ينظر إليها كعلامة على الوضع الاجتماعي، معرباً عن اعتقاده أن "أبل" ستقوم يوماً بتغيير الساعة لجعلها أكثر تخصصا، مؤكداً أنه ليس قلقاً من النسخة الذهبية للساعة المتصلة التي تخطط "أبل" لإطلاقها. وذكر، أنه لا يُمكن لساعة أبل أن تُغرق صناعة الساعات السويسرية في أزمة جديدة، فالاتصالات السلكية واللا سلكية ليست وظيفة الساعة السويسرية، لكنه مع ذلك، حث صناعة الساعات السويسرية على أن تبحث في المستقبل، إمكانية إقامة تحالفات مع عمالقة تقنية المعلومات والاتصالات. وقال، بيفير، "إن كثيرا من المبتكرات المماثلة سبقت الساعة المتصلة وتمتعت بالإمكانات نفسها ثم أصبحت الآن عتيقة كـ "حاسوب ماكنتوش"، و"الهاتف الذكي"، و"آي فون" و"الحاسوب اللوحي آي باد"، أما الساعة السويسرية فهي قطعة تقليدية خالدة"، لافتاً إلى أن مسألة مستقبل الساعات السويسرية نشأت مع وصول الهواتف النقالة الأولى، لكن سوق صناعة الساعات ازدهرت منذ ذلك الحين، خاصة في الساعات الميكانيكية. من جانبه قال معلق في مصرف "صفرة سارازان"، في مذكرة نشرتها صحيفة "لاجفي" الاقتصادية السويسرية، "إننا نتعامل عموما مع منافس "أبل" الجديد بجدية، لكنننا لا نعتقد أنه سيكون عنصرا مزعزعا لصناعة الساعات التقليدية". وفي جواب عن رسالة بالبريد الإلكتروني أرسلتها "الاقتصادية"، قال، جيروم بلوك، أحد رؤساء مؤسسة "نيي رودي" المتخصصة في اقتصاد الساعات السويسرية، "إنه غير قلق على الساعة السويسرية من الذكية"، معتبراً أن الساعتين ليس لهما الهدف نفسه، مضيفاً أن الأمر يُماثل المقارنة بين سيارة "ميني كوبر" مع "أستون مارتن"، فهما منتجان مرغوبان لكنهما مختلفان تماما، ورغم ذلك فإن الساعات السويسرية غير محصَّنة تماما ضد المنافسة التي تفرضها "أبل". وعن المحصلة النهائية لتقييم وضع الساعات السويسرية، قال، جان ـ دانيال باش، رئيس رابطة صناعة الساعات السويسرية لـ "الاقتصادية"، "إنه لا يوجد هناك تقييم نهائي، بل هي تقييمات دائمة تجري يومياً من خلال مراقبة حركة الإنتاج، والتسويق، والمبيعات قبل الوصول إلى نتائج عامة، وعلاوة على التقييم الأولي الذي أصدرته الرابطة حول وضع الساعات السويسرية، فإن كل شركة تقوم بالتحقيق الخاص بها حسب موقفها". ورأى المختص السويسري، بيير ـ إيف دونزه، الأستاذ في جامعة كيوتو والمتخصص في تاريخ صناعة الساعات، أن "أبل" لم تقم بإعادة اختراع الساعة، وقال في مقال في صحيفة "لا جفي" المتضرر الرئيس للساعة المتصلة "ستكون اليابان وليست سويسرا لتشابه المنتجات اليابانية مع ساعة "أبل". الواقع يقول، إن هناك همٌّ آخر لشركات الساعات السويسرية أقوى من همّ منتج "أبل"، ففي أعلى أكبر ثلاثة مخاطر التي حددها قطاع صناعة الساعات ضمن قائمة من 20، قوة الفرنك السويسري، وقرب اندثار تقليد الورش العائلية الصغيرة المصنعة للساعات، وصعوبة الحصول على التشغيلة المؤهلة.